استثمار في الأمن
قوات الأمن الوطنية الأفغانية تحتاج إلى التدريب والدعم المالي من الشركاء متعددي الجنسيات
أحمد مريد بارتو، كبير ممثلي أفغانستان السابق لدى القيادة المركزية الأمريكية
لقد كان بناء القوات الأفغانية القادرة على توفير الأمن للبلاد من أولويات الولايات المتحدة خلال تدخلها في أفغانستان على مدار العقدين الماضيين، وتتألف قوات الأمن الوطنية الأفغانية من الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية، وتمثل هذه القوات ركائز إرساء الأمن والاستقرار في أرجاء البلاد.
عندما تأسس الجيش الأفغاني عام 2001، كان الهدف منه يتمثل في بناء وتطوير قوة لتأمين الدولة والحيلولة دون تحولها إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية والمتمردة، ولهذا السبب كانت الفكرة تتلخص في بناء جيش قوي يتسم بالتوازن العرقي ويحظى بالاحترام على الصعيد الوطني ويتصف بالمساءلة الديمقراطية أمام الشعب الأفغاني، وعلاوة على ذلك فقد كان الهدف من إنشاء هذه المؤسسات المهمة يتلخص في ضرورة اتصاف قوات الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية بالتنظيم وتلقي التدريب الجيد والتسلح بأفضل السلاح والعتاد، بحيث تصبح قادرة على تلبية احتياجات البلاد الأمنية، مع زيادة تمويل الحكومة الأفغانية لقوات الجيش والشرطة.
وبعد مرور نحو عقدين من الزمن على تأسيس قوات الأمن الوطنية الأفغانية، تمت تلبية أغلب هذه المتطلبات، وأمست هذه القوات واحدة من أبرز قصص النجاح التي حققتها أفغانستان في مرحلة التحول الديمقراطي وبناء الدولة بعد طالبان، وصارت قوات الأمن الأفغانية بعدما نجحت في كسب ثقة الشعب تتصدر الصراع لمنع طالبان والجماعات المنتسبة إليها من الاستيلاء على أراضي الدولة.
وبعد انسحاب معظم القوات الأمريكية وقوات التحالف عام 2014، تحمَّلت قوات الأمن الأفغانية وطأة القتال، وما تزال هذه القوات صامدة وماضية في رفع قدراتها القتالية رغم التحديات الضخمة التي تواجهها، ورغم النجاحات العديدة التي حققتها قوات الأمن الأفغانية – اعتماداً على التدريب والمهارات التي صقلتها لمكافحة تمرد طالبان في أرجاء البلاد – فإنَّ القوات المسلحة الأفغانية ما تزال تعتمد على دعم الولايات المتحدة والتحالف لتغطية معظم تكاليف العمليات القتالية، ولا شك أنَّ هذا الاعتماد على المساعدات الأمريكية سوف يستمر إلى أن تحقق الدولة السلام مع طالبان وتتحرك نحو الاعتماد على الذات والتنمية الاقتصادية.
ومع ذلك فقد نجحت قوات الأمن الأفغانية في فرض الأمن في أرجاء أفغانستان، ومثال ذلك أنها توفر الأمن والاستقرار للعاصمة كابول و34 مدينة من عواصم الأقاليم والمناطق السكانية الرئيسية، مع الحفاظ على خطوط اتصال فيما بينها، ومع أنَّ تمرد طالبان ما زال يقاوم ويسيطر على بعض المناطق الواقعة جنوب وشرق البلاد، فلم تتمكن تلك الجماعة من الاستيلاء على أي مناطق أو مدن من عواصم الأقاليم بسبب قوة القوات الأفغانية وقدراتها.
والواقع أنَّ قوات الأمن الوطنية الأفغانية فرضت سيطرتها على منطقتي خامياب وقرقين بإقليم جوزجان الواقع شمالي البلاد اللتين وقعتا لفترة طويلة تحت سيطرة طالبان، وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت مستويات العنف الذي مارسته طالبان ضد القوات الأفغانية، باستهداف القوافل ونقاط التفتيش في مناطق مختلفة، وقال السيد أسد الله خالد، وزير الدفاع الأفغاني، لصحيفة نيويورك تايمز إنه تمكن منذ توليه هذا المنصب في كانون الأول/ديسمبر 2018 من إخراج القوات النظامية من موقف الدفاع، كما قال الوزير في حوار آخر: “تغير موقفنا من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم.”
وصرَّح أسد الله قائلاً: “دعونا نكون واضحين: لن تقف هذه القواعد التي أخلتها لنا قوات التحالف مكتوفة الأيدي؛ بل إننا نبادر بالهجوم.”
ومع اعتراف وزير الدفاع بارتفاع أعداد القتلى والجرحى عام 2020 جرَّاء الهجمات التي شنتها طالبان على نقاط التفتيش والقواعد العسكرية، لا سيما في المناطق التي لم يتعرَّض فيها المسلحون لتهديد من القوات الحكومية، فقد وعد بعكس هذا الموقف، إذ حافظت القوات الأفغانية على معنوياتها المرتفعة في حربها ضد طالبان، ووقع معظم القتلى والجرحى في السنوات الأخيرة بعيداً عن القواعد ونقاط التفتيش، وعانت القوات من القنابل المزروعة على جانبي الطريق، والهجوم على القوافل، والقناصة، والهجمات التي شنتها عناصر داخلية، والكمائن التي استهدفت الجيش أو الشرطة خلال الدوريات الأمنية.
ولزاماً على قوات الأمن الأفغانية أن تتصدى لهذه النوعية من الهجمات بمساعدة مدربي وموجهي القوات الأمريكية وقوات التحالف، ويمكن لبعثة «الدعم الحازم» أن ترفع من القدرات القتالية لقوات الأمن الوطنية الأفغانية عن طريق عقد المزيد من الدورات التدريبية في مجال إزالة الالغام، والتصدي لكمائن العدو، والقيام بدوريات أمنية فعالة ومنتظمة في المقاطعات، أضف إلى ذلك أنَّ قوات الأمن الأفغانية تحتاج إلى رفع كفاءتها في التعامل مع عمليات الإجلاء الطبي للقوات المصابة، وتوجيه الإسناد الجوي القريب، وجمع المعلومات الاستخبارية، وإجراء عمليات المراقبة والاستطلاع.
وقد أمضت طالبان فترة طويلة من عام 2020 وهي تتجنب الهجوم على القوات الأمريكية وقوات التحالف لتتفادى تعكير صفو الاتفاق الذي توصلت إليه مع الولايات المتحدة عام 2020، وجدير بالذكر أنَّ إبرام هذا الاتفاق وصدور الإعلان الأمريكي-الأفغاني المشترك يوم 29 شباط/فبراير 2020 كان بمثابة تطور تاريخي ومهم للجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق السلام الدائم في أفغانستان.
بيد أنَّ أعمال العنف التي تمارسها الطالبان ضد قوات الأمن الأفغانية والمدنيين لا تزال مرتفعة، وترجع أهمية ذلك إلى أنَّ القوات المسلحة والشرطة الأفغانية التي قام الجيش الأمريكي بتدريبها هي التي تضطلع بمعظم جهود تأمين البلاد، وفي السنوات الخمس الماضية، تعرَّض ما يزيد على 50,000 من أفراد قوات الأمن الأفغانية إلى القتل وأُصيب عشرات الآلاف بجروح، ويعتقد الخبراء أنَّ خسائر طالبان، مع صعوبة التحقق منها، لا تقل عن خسائر القوات الأفغانية بل قد تتجاوزها.
وقد تمكنت قوات الأمن الوطنية الأفغانية من توفير الأمن الكافي لحرمان طالبان وتنظيم داعش خراسان من تحقيق أهدافهما المشتركة والأهداف الخاصة بكل منهما، وفي هذا الصدد، ظلَّت القوات الخاصة ووحدات المغاوير الأفغانية، وقد تدرب معظمها على أيدي القوات الأمريكية، إلى جانب القوات الجوية الأفغانية، القوات الأكثر بأساً وقوة من خلال الاستمرار في إظهار كفاءتها العملياتية والتعبوية في مواجهة هجمات طالبان.
ومع أنَّ طالبان والحكومة الأفغانية يحاولان دفع مسيرة السلام إلى الأمام من خلال المفاوضات الأفغانية الداخلية، يتعين على المجتمع الدولي أن يواصل الاستثمار في رفع قدرات قوات الأمن الوطنية الأفغانية لتوفير الأمن والسلامة للبلاد.
وستظل قوات الأمن الوطنية الأفغانية تضطلع بدور الحارس والضامن للسلام والاستقرار حتى بعد التوصل إلى تسوية مع طالبان عن طريق المفاوضات، ومن الأهمية بمكان أن نضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانية مرة أخرى مطلقاً كملاذ آمن يستطيع الإرهابيون شن هجماتهم منه.
التعليقات مغلقة.