إنجاز مهام مدنية
وحدات الجيش اللبناني تدخلت للتصدي لانتشار فيروس كورونا والحد من الاضطرابات المدنية
مديرية التوجيه بالقوات المسلحة اللبنانية
تعتمدالقوات المسلحة اللبنانية على شعار “شرف، تضحية، وفاء” عندما تؤدي مهامها:
أي شرف خدمة الوطن والدفاع عنه، مع استمرار التضحية، والتحلِّي بالوفاء المطلق.
ومنذ تكليف القوات المسلحة بمساعدة قوى الأمن الداخلي على الحفاظ على السلام والاستقرار عام 1991 في ربوع الأراضي اللبنانية، أمسى الجيش العمود الفقري للاستقرار الوطني، وأخذ على عاتقه مهمة تأمين مؤسسات الدولة حتى تتمكن البلاد من النهوض من جديد والتخلص من آثار الحرب.
وسلك الجيش على التوازي مساراً ثابتاً وتصاعدياً في بناء قدراته استناداً إلى مبادئ التعليم المدني السليم وتجنب المشاحنات الطائفية والسياسية. ويطبق الجيش قيم الشفافية والكفاءة من خلال مسار طويل ومستمر يمتد حتى يومنا هذا لإمداد وحدات الجيش بالسلاح والعتاد اللازم، كما تستفيد القوات من برامج التدريب المستمرة التي تمكنها من أداء واجباتها تحت جميع الظروف فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، إذ أتاحت جهود مكافحة الإرهاب الفرصة للقوات المسلحة اللبنانية لتحقيق انجازات استثنائية، ونجح الجيش اللبناني بفضل المهنية التي يتصف بها في أن يصبح شريكاً مؤثراً وجديراً بالثقة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى في البلدان الصديقة.
ولم تدخر القوات المسلحة اللبنانية جهداً في مساعدة الشعب اللبناني في المشروعات الاجتماعية والتنموية، وأُسندت إليها مسؤوليات كبيرة، لا سيما أعمال الإغاثة والإنقاذ، ومساعدة المواطنين، وإطفاء الحرائق، وفتح الطرق أثناء العواصف الثلجية. وساهمت القوات المسلحة كذلك في العديد من مشروعات التنمية بالتعاون مع وزارات الدولة مثل وزارتي الثقافة والزراعة من خلال المشاركة في حملات لتنظيف المواقع الأثرية، والتشجير، وتنظيف الشواطئ من النفايات، ورش حقول المزارعين بالمبيدات الحشرية بالمروحيات لمكافحة الآفات الزراعية.
وبناءً على رغبة القوات المسلحة في مواصلة هذه الجهود وتنسيقها، أنشأت مديرية التعاون العسكري المدني التي كُلفت بتوزيع حزم المساعدات التي تضمنت المواد الغذائية والحقائب المدرسية والكتب الدراسية والملابس والبطانيات، كما ركزت المديرية على عددٍ من المشاريع مثل إعادة تأهيل المدارس، وإنارة الشوارع، وإنشاء الملاعب الرياضية، وحفر الآبار، أضف إلى ذلك أنَّ القوات المسلحة استمرت في تقديم دورات في مختلف المجالات الثقافية والتعليمية، مثل حملات محو الأمية والتدريب المهني في الحياكة والتطريز والنجارة وغيرها من المهن بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة المحلية والدولية، لا سيما الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ويتمثل الهدف الرئيسي من هذه المشاريع في تحسين الظروف المعيشية والتعليمية للمواطنين، وكذلك للتخفيف من معاناتهم وتحسين مهاراتهم المهنية حتى يتسنى لهم العمل لإعالة أسرهم.
وحتى اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال، استجابت القوات المسلحة اللبنانية، كما هي عادتها، استجابة فورية ومهنية لنداء المساعدة خلال انفجار مرفأ بيروت، ومع قلة المعلومات المتوفرة عن الكارثة التي وقعت يوم 4 آب/أغسطس 2020، فإنَّ الكثير من المواطنين شعروا بالاطمئنان عندما رأوا القوات المسلحة وهي تقوم بأعمال الإجلاء وتقديم المساعدات الطبية، وتظهر جاهزية القوات المسلحة لمساعدة البلاد أنها الجهة الشرعية لتوفير الأمن والأمان للبنان، وهو ما يجسد شعار “شرف، تضحية، وفاء.”
وتقدم مديرية التعاون العسكري المدني كذلك مساعدات على المدى الأبعد في حالات أخرى غير حالات الطوارئ، ومثال ذلك أنها كُلفت نظراً لعدم توفر تعداد سكاني حديث ودقيق بمهمة إعداد قوائم الأسماء، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، لإعطاء الحقوق لمستحقيها. كما كُلفت بوضع خطة شاملة تهدف إلى توزيع هذه المساعدات في مختلف المناطق بحسب الأولويات العاجلة، ومن ثمَّ وضعت المديرية جدولاً زمنياً مفصلاً مع تقسيمه إلى عدة مراحل.
وقد عُهد بتنفيذ هذه الخطة إلى وحدات الجيش المنتشرة في ربوع لبنان بالتعاون مع السلطات المحلية مثل البلديات ورؤساء البلديات تحت الإشراف المباشر لمديرية التعاون العسكري المدني لضمان سير العمل على الوجه الأمثل، وحظيت هذه الخطوة بإشادة المواطنين الذين يعتبرون الجيش ضامناً لحقوقهم بغض النظر عن الاعتبارات المناطقية أو الطائفية.
وقد تسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد- 19) في شل حركة البلاد، وهدد المرض صحة المواطنين وفاقم المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي كان يعاني منها البلد، وقد استجاب الجيش بسرعة وعن طريق التصدي لانتشار المرض وتطبيق تدابير صارمة داخل الجيش لمكافحته بفرض ارتداء الكمامات الواقية داخل الأماكن المغلقة وفي أثناء تأدية المهام.
وتمَّ تنفيذ أعمال التطهير والتعقيم وقياس درجات الحرارة عند مداخل جميع الثكنات العسكرية، كما تولَّى عدد من وحدات الجيش مسؤولية تصنيع الكمامات الواقية والمطهرات طبقاً لمواصفات ومعايير وزارة الصحة اللبنانية، ووُزعت هذه المنتجات على القوات وساهمت في التخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل الجيش.
وقد استكملت هذه التدابير الجهود التي قامت بها الأطقم الطبية في الطبابة العسكرية التي راحت تعمل على علاج المرضى في المراكز الطبية العسكرية الاقليمية للتخفيف من زخم الحالات في المستشفى العسكري المركزي، وقَصَرَت الطبابة العسكرية خدماتها على الفحوص الطبية العاجلة والضرورية، وفتحت مركزاً لإجراء اختبارات الكشف عن فيروس كورونا.
وقد خُصص هذا القسم لاستقبال الحالات التي قد تكون تعرَّضت للإصابة بفيروس كورونا، وإجراء جميع الاختبارات اللازمة للتخفيف من الأعباء التي تتحملها المستشفيات التي تديرها الحكومة، والإسراع في الكشف المبكر عن الحالات المصابة بالفيروس لتجنب انتشاره داخل القواعد العسكرية. واتضح أنَّ هذه التدابير أثبتت فعاليتها؛ إذ أظهرت البيانات أنَّ الجيش، رغم كثرة اختلاط القوات بأفراد المجتمع، لم يتضرَّر من المرض مثلما تضرَّرت منه مؤسسات أخرى.
وشاركت القوات المسلحة اللبنانية منذ البداية في الجهود الوطنية الرامية إلى تنفيذ خطة التعبئة التي وضعتها الحكومة، واتخذت وحدات القوات المسلحة عدداً من الإجراءات التي تكفل الالتزام الأمثل بالخطة وحظر أي تجمعات أو تحركات غير ضرورية، وحدث ذلك بالتنسيق مع سائر مؤسسات الدولة، وأطلقت مديرية التوجيه بالقوات المسلحة اللبنانية، بالتعاون مع وزارة الإعلام، حملة إعلامية موسعة لرفع الوعي بمخاطر الجائحة وطرق الوقاية منها.
وبالتوازي مع ذلك واصلت وحدات الجيش تنفيذ التدابير التي تتعلق بالحجر الصحي والتعبئة العامة وفقاً لتوجيهات الحكومة اللبنانية، واستخدمت القوات المسلحة سائر التدابير المتاحة لتنفيذ التعبئة ولجأت إلى المروحيات لإذاعة تحذيرات للالتزام بإجراءات الحجر الصحي وعدم مغادرة المنزل، كما انتشرت دوريات راجلة وبالمركبات لمراقبة تحركات المواطنين والحد منها وضمان الالتزام بالتدابير الرامية إلى الحد من الإصابة بالفيروس.
وشهد لبنان ،رغم انتشار الفيروس، موجة من الاحتجاجات الشعبية التي عكست تزايد تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية، وتحركت القوات المسلحة لضمان حرية التعبير والحق في التجمع السلمي مع حظر إغلاق الطرق، وكثفت جهودها لوقف الاعتداء على المواطنين والمؤسسات الخاصة والعامة، ومع أنَّ القوات المسلحة ظلت على حياد من سائر الطوائف، فقد سعت إلى تجنب وقوع أي اضطرابات أمنية قد تتصاعد وتتحول إلى صراع أكبر.
لم تقلل كل هذه التحديات، مع خطورتها، من عزم القوات التي لم تتوقف عن أداء واجباتها متسلحة بروح معنوية عالية وتصميم لا يلين. ولم تستسلم للإجهاد أو الشائعات، وما تزال تواصل الاضطلاع بمسؤولياتها؛ فهذا المنهج المهني والوطني الذي أظهره الجيش يجعله قادراً على معالجة التوترات الداخلية للحفاظ على السلم المدني، وحماية السيادة الوطنية، وحماية المؤسسات العامة والخاصة، ومنع أي تصعيد للشعور بالغضب والاستياء يعرِّض السلم المدني للخطر، مع احترام حرية الرأي والتعبير وما تقوم به مختلف وسائل الاعلام.
فالجيش مؤسسة وطنية موحدة تمثل سائر طوائف المجتمع اللبناني وتعمل في خدمة الوطن، وهو منبع الأمل المتجدد بالنسبة للشعب اللبناني، وهو الضامن الأول والأخير لأمن الشعب، إذ يكرس سائر إمكاناته لحماية الدستور والسلم المدني، ويردع كل من تسول لهم أنفسهم زعزعة استقرار لبنان.
التعليقات مغلقة.