إقناع معنوي بالسبل العسكرية
القوات المسلحة الأردنية تتخصص في مكافحة التطرف الفكري والإرهاب
العميد الركن طلال علي الغبين، مدير التوجيه المعنوي، القوات المسلحة الأردنية
يُعتبر التطرف الفكري والإرهاب من الظواهر العالمية القديمة الحديثة التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي، ولا يعترف بحدود ولا يُفرق بين لون أو دين، وهو خطر تنامى في السنوات العشرين الماضية، وأهم ما يميزه سرعة انتشاره والأساليب المختلفة والمتنوعة التي يستخدمها في نشر أفكاره والوصول إلى مختلف دول العالم وساهم في ذلك التطور التكنولوجي الهائل. ويعد الأردن من أوائل الدول التي نبهت إلى هذا الخطر وحذرت منه وكافحته ودخلت في الأحلاف الدولية سياسياً وعسكرياً لمواجهته أياً كان مصدره ونوعه. ولقد أمر جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين بإعداد وثيقة تبين حقيقة الإسلام المعتدل، عُرفت برسالة عمان والتي ترجمت إلى عدة لغات عالمية.
تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك عبدا لله الثاني وَضَعت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية استراتيجية مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب باعتبارها ركناً قوياً من أركان الدولة الأردنية وذراعاً يضرب بيد من حديد التطرف والإرهاب أينما كان، وتعتبر مديرية التوجيه المعنوي إحدى الأدوات المتوفرة لدى القيادة العامة لتنفيذ تلك الاستراتيجية في مكافحة ذلك الخطر وتجفيف منابعه ومصادره من خلال وحدة الاتصال الاستراتيجي التابعة لمديرية التوجيه المعنوي.
تعتبر وحدة الاتصال الإستراتيجي خلية إعلامية تعمل على مكافحة الفكر المتطرف أياً كان مصدره ونوعه من خلال إنتاج مشاريع إعلامية تستند إلى عدة ركائز وهي: أولاً. الخطاب الديني والذي يسعى إلى تغيير أفكار الخوارج عن الدين وبيان حقيقة الإسلام الرافض جملةً وتفصيلاً للقتل والخراب، والداعي إلى الوسطية والاعتدال كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثانياً. الركيزة الوطنية والتي تعتمد على تعظيم القيم الوطنية وتعزيز الشعور بالمواطنة الصالحة من أجل تمكين الشباب والحيلولة دون محاولات التجنيد من قبل الجماعات المتطرفة، ومن خلال برامج تركز على الشباب وتحصينهم فكرياً لمقاومة محاولات غسيل الدماغ التي تقوم بها الجماعات المتطرفة والإرهابية كداعش وغيرها. ثالثاً. الركيزة الاجتماعية التي تحاول معالجة القضايا الاجتماعية والسلوكيات التي تحمل في طياتها فكراً متطرفاً يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي والقيم الاجتماعية التي تربى عليها المجتمع الأردني المتسامح في طبعه وأصالته. رابعاً. الاستجابة وقت الأزمات، كما تعتبر وحدة الاتصال الإستراتيجي خلية استجابة إعلامية تبعث برسائل محلية وخارجية بأن القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية قادرة على حماية الأردنيين والدفاع عن حمى الوطن ، ومن الجدير ذكره أن وحدة الاتصال الاستراتيجي تستهدف المجتمع المحلي والإقليمي والدولي، ولقد قام التحالف الدولي ضد داعش ومقره لندن بترجمة مشروعين إعلاميين إلى اللغة الإنجليزية نشرهما على موقع التحالف.
يقع على عاتق مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي مسؤولية كبيرة في تقوية أواصر الثقة بين المواطن ورجال الأمن، كما تعمل جاهدة للحفاظ على معنويات الجنود ودحض دعاية العدو. وقد أصبحت المهمة أكثر تعقيداً وزادت التحديات في عصر قنوات التواصل الإجتماعي والحروب غير المتناظرة التي تعتمد اعتماداً كبيراً على نشر الإشاعة والترويج للفكر المتطرف. إذ يتطلب عمل المديرية المتابعة المستمرة لمواقع التواصل الاجتماعي وفضح أكاذيب الإرهابيين. ولأن الإرهابيين يعملون من كل بقاع العالم، يجب على الدول المحبة للسلام أن توحد خطابها المعتدل وتعمل بروح الفريق الواحد لدحض جدليات الإرهاب. حيث نعمل بالتنسيق مع نظرائنا في الجيوش الشقيقة والصديقة لتوحيد الخطاب الإعلامي وتبادل المعلومات الاستخبارية من أجل أن تكون رسائلنا دقيقة ومؤثرة.
وهذا مهم بشكل خاص إذ أن القوات المسلحة الأردنية تملك مديرية الإفتاء العسكري التي تضم أئمة متخصصين في محاربة الفكر المتطرف، ولدينا مركز متخصص لمكافحة التطرف مما يجعلنا أكثر تأثيراً بمحاربة الأفكار المتطرفة. فنحن نعمل مع الأخوة في دائرة الإفتاء على صياغة الرسائل المؤثرة لتحصين الشباب ضد الأفكار المتطرفة والدخيلة وفضح أكاذيب المتطرفين بالدليل الشرعي. ولقد كان لرجال الإعلام وأئمة القوات المسلحة الأردنيين دوراً كبيراً في بسط الإستقرار في أفغانستان ومساعدة الشعب الأفغاني في تحييد التهديدات الفكرية التي يمثلها المتطرفون. حيث كنا نقوم بزيارات ميدانية للقرى والمساجد، فكنا صانعي سلام ووسيلة تواصل لزرع ثقة وموائمة بين الثقافة الغربية والثقافة الأفغانية، حتى نستطيع معاً التغلب على التحدي الأمني المتمثل بالجماعات المتطرفة العنيفة.
علاقتنا مع شركائنا في القوات الأمريكية علاقة متينة مبنية على الثقة والتعاون. حيث نعمل معاً أثناء التمارين المشتركة مثل تمرين الأسد المتأهب، كما تزور الأردن فرق متخصصة في مجال العمليات المعلوماتية ونعقد ورش عمل مشتركة من أجل تبادل الخبرات. كما نقوم بإرسال منتسبينا لدورات تخصصية في القواعد الأمريكية لتعلم التقنيات الحديثة أو الدراسة في معاهد العمليات المعلوماتية والنفسية. كما قامت المديرية بزيارة رسمية في 2018 للأطلاع على عمل الأصدقاء في أكاديمية المارينز في معسكر كوانتيكو وقيادة العمليات المعلوماتية ومدرسة العمليات المعلوماتية في معسكر فورت براغ وزيارة قسم العمليات المعلوماتية في القيادة المركزية إذ حققت تلك الزيارة أهدافاً عدة للجانبين، حيث اطلعنا على عمل مؤسساتهم وتعرفنا على نظرائنا مما ساعد على بناء صداقة وثيقة متبادلة مهدت للفريقين التواصل والعمل معاً بصورة أكثر انسيابية. إضافة الى الإطلاع على تقنيات حديثة ساعدت على تطوير قدراتنا التقنية والميدانية.
إن نمط الحروب غير المتناظرة هو عدم وجود جبهة واضحة، بل وجود عدو يختفي بين السكان لايمكن استهدافه بالأسلحة الثقيلة أو تحديد مخبأه، لذلك يحتم على الجيوش الصديقة العمل معاً، لأن الشبكات الإرهابية لها أذرع اخطبوطية وقدرة كبيرة في استقطاب الشباب في المناطق التي تعاني من هشاشة أمنية وثقافة محدودة.
وهنا نقوم نحن مسلحين بخبراتنا وخلفيتنا الثقافية والإجتماعية بالعمل على التواصل مع المجتمع، ويقوم شركاؤنا –بفضل مايملكون من تقنيات حديثة- بتجفيف منابع التمويل واستهداف قيادات الصف الأول الإرهابية؛ وهكذا نكون قد أنجزنا مهمة لايمكن إنجازها وتحقيقها مالم نعمل سوية.
التعليقات مغلقة.