التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب
لقد تغيَّرت الحرب على مر العصور، بداية من تشكيل جيوش محترفة في القرن السابع عشر، وقد شهد القرن العشرون ولادة نوع معين من القتال الحديث: حرب العصابات. فتلك العصابات عبارة عن جماعات مسلحة تتحدَّى سلطة الجيوش النظامية باستخدام هجمات الكر والفر لتجنب القتال المباشر مع القوات التي تفترض تلك العصابات أنها تتفوق عليها.
وليس من المستغرب أنَّ تنجذب الجماعات الإرهابية إلى نموذج حرب العصابات، إذ عاد تنظيم داعش، الذي زعم أنه أقام “دولة” في سوريا وفي بقاع من العراق، إلى أساليب حرب العصابات فور نجاح التحالف الدولي في طرده من قاعدة عملياته في الموصل. وراح داعش بحلول عام 2018 يقصف المدنيين ويزرع العبوَّات الناسفة ويحاول اغتيال المعارضين في آن واحد.
كانت العلاقة عميقة الجذور بين الإرهابيين وحرب العصابات – وتهديدها للأمن والاستقرار والسلام – الموضوع الرئيسي في ندوة عقدها مركز التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب في الرياض بالمملكة العربية السعودية في آذار/مارس 2021. وقدَّم المؤتمر العميد يحيى محمد عسيري، مندوب المملكة العربية السعودية لدى التحالف، والمقدم زكي يحيى الرواحي، مندوب سلطنة عُمان لدى التحالف.
تعريفات
أوضح المقدم الرواحي أنَّ المقصود بحرب العصابات هو أنَّ أحد طرفي الصراع يستعين بجنود غير نظاميين لمهاجمة عدوه كلما سنحت له فرصة مواتية ثمَّ الفرار إلى ملاذ آمن؛ أي أنها عادةً ما تنطوي على حرب غير تقليدية بين جماعة ذات دوافع فكرية معينة وجيش تقليدي قائم بالفعل.
تتكون حرب العصابات من وحدات قتالية صغيرة أقل تسليحاً من الجيوش التقليدية التي تواجهها. ومن حيث القتال، فإنَّ هذه الوحدات غير النظامية تفضل الهجمات الخفية في مواقع مختارة بعناية بهدف إلحاق أقصى قدر من الضرر والتخريب بخصومها.
وأوضح المقدم العُماني أوجه الاختلاف بين حرب العصابات والصراعات التي تشترك معها في أوجه تشابه، كالحرب الأهلية والمقاومة الشعبية والثورة والعصيان والتمرد.
فالحرب الأهلية عبارة عن صراع يدور عادةً بين فئتين تكادان تتساويان في القوة، والمقاومة الشعبية عبارة عن انتفاضة عفوية وغير منظمة لمقاومة جيش احتلال، كردة فعل الجزائر على الاستعمار الفرنسي في خمسينيات القرن العشرين، والثورة عبارة عن حدث سياسي كبير الخطب يمكن أن يسفر عن الإطاحة بالحكومة، والعصيان والتمرد عبارة عن أعمال عدوانية مخالفة لقوانين الدولة.
ويرى العميد عسيري أنَّ لحرب العصابات أربعة عناصر. فأمَّا العنصر الأول، فهو العنصر الاستراتيجي؛ إذ تعمل جماعات حرب العصابات بتطلعات فكرية وسياسية، وتتجنب العمل العسكري المباشر، وتبحث عن الدعم في الداخل والخارج، وتهدف إلى تسوية سياسية مناسبة لمصالحها.
أمَّا العنصر الثاني، فهو العنصر التكتيكي؛ إذ تفضل جماعات حرب العصابات نصب الكمائن وشن الغارات، وتسعى وراء المقاومة العنيدة وليس الانتصار الفوري، وتعتمد على التحركات السرية، وتختلط بالمواطنين، وتعمل من قواعد مؤقتة، وتخفي مخابئاً تخزن بها كميات من المواد الغذائية والذخيرة، وتعيد تجهيز أنفسها من خلال الغنائم التي تكسبها من العمليات الناجحة.
وإدراكاً منها بضعفها النسبي في مواجهة الجيوش الوطنية، تحاول جماعات حرب العصابات التعويض عن ذلك من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا المتقدمة؛ وهذا هو العنصر الثالث من عناصر حرب العصابات. ويتجلَّى هذا التركيز على التكنولوجيا في استخدام جماعات حرب العصابات المعاصرة للهواتف المحمولة والإنترنت والطائرات المسيَّرة.
وأمَّا العنصر الأخير في حرب العصابات فهو التخطيط المكثف؛ إذ يستعين مقاتلوها بالإستراتيجية والتكتيكات والتكنولوجيا في الأوقات المناسبة وفي الأماكن المناسبة لتحقيق أهدافهم.
علاقة وثيقة
توجد الكثير من القواسم المشتركة بين جماعات حرب العصابات والجماعات الإرهابية من منظور التنظيم الفكري والإعلامي والتمويلي والعسكري. ويدرك الإرهابيون ومقاتلو حرب العصابات أنَّ البشر كائنات عقلانية واجتماعية يتأثرون بمن حولهم، ويدركون حاجتهم إلى قياديين مؤثرين ومقنعين ومقربين للقلوب لإقناع الناس بقضيتهم.
كثيراً ما تبدأ الجماعات الإرهابية – شأنها شأن جماعات حرب العصابات – صغيرة الحجم، وإذا بها تكبر وتتوسع. وتنشر أفكارها بين الفئات المستهدفة من خلال استخدام الدعاية الإعلامية؛ فتبث خطابات رنانة تلهب المشاعر وتشن عمليات صغيرة للترويج لبسالة موهومة بغية تجنيد أتباع جدد.
ويعد الدعم المالي من الأهمية بمكان لمقاتلي حرب العصابات والإرهابيين، فهو ركيزة توسعهم وبسط سيطرتهم، ولذا يقيم الإرهابيون ومقاتلو حرب العصابات تحالفات مع العصابات الإجرامية المنظمة لجني المال بطرق غير مشروعة، مع اختلاف توجهاتهم وأهدافهم.
وقد تجلَّى في ظهور داعش استخدام أساليب حرب العصابات هذه، وأشار العميد عسيري إلى أنَّ القيادي النافق أبو بكر البغدادي، زعيم تلك الجماعة الإرهابية، كان يوظف الخطاب الديني المشوّه لاستنهاض أتباعه، واستخدم داعش وسائل الإعلام الاجتماعي وحتى ألعاب الفيديو لبث رسائله، ونجح في جني المال عن طريق تهريب النَّفط في العراق وسوريا، وارتجل شأن جماعات حرب العصابات، حين استُنزفت قواته، بتجنيد الأطفال والاستيلاء على الأسلحة من القوات الحكومية.
كما استخدمت جماعة بوكو حرام في نيجيريا الخطاب الديني كوسيلة للدعم الفكري واستغلت وسائل الإعلام للترويج لنفسها، وموَّلت عملياتها ببيع العاج والذهب والماس، وجنَّدت الأطفال، وهاجمت القوات الحكومية للاستيلاء على المعدات العسكرية.
وهذا ما ينطبق على القاعدة، إذ استغلت الدين ووسائل الإعلام الاجتماعي لأغراضها، مدعومة بتجارب مقاتليها الذين أجروا تدريبات على غرار حرب العصابات في أفغانستان.
الدروس المستفادة
اختتمت الندوة فعالياتها بقراءة الدروس المستفادة من جهود مكافحة الإرهابيين. وفي ضوء استخدام الإرهابيين لأساليب حرب العصابات، اقترح المقدم الرواحي أنَّ تتبنى القوات التقليدية والجيوش الوطنية ما يلي:
إعداد تكتيكات قتالية متطورة لاستخدامها ضد مقاتلي جماعات حرب العصابات، مع تصميم التدريب بما يناسب التضاريس الجغرافية التي ينشطون فيها، سواء أكانت جبالاً أو أدغالاً أو صحاريَ أو مدنٍ.
وضع خطط للعمليات الدفاعية والهجومية المشتركة لاستهداف الجماعات الإرهابية التي تستخدم أساليب حرب العصابات.
تنسيق العمليات وتشجيع تبادل المعلومات بين الجيوش وقوات الأمن غير التابعة للجيوش.
تحسين التعاون بين الجهات المختصة في البلدان الشقيقة والصديقة لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب.
إعداد قواعد الاشتباك لاستخدامها ضد الإرهابيين خلال تدريب القوات المسلحة.
ترقية القادة ذوي الخبرة في مجال الحرب غير النظامية الذين يمكنهم العمل المشترك مع الشركاء العسكريين والأمنيين.
كما شدَّدت الندوة التي عقدها التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب على أنَّ الجماعات الإرهابية التي تتبنى أساليب حرب العصابات تسير ضد مجرى التاريخ؛ إذ تهدف إلى زعزعة استقرار السِّلم والأمن الدوليين وإضعاف الدعائم التي تقوم عليها البلدان الحديثة. وأشعلت مثل هذه الجماعات بفكرها المنحرف صراعات ستنتهي بالقضاء عليها على أيدي الأمم المتحدة والعالم.
التعليقات مغلقة.