إخضاع الحوثيين يعزز أمن المنطقة
معمر الأرياني، وزير الاعلام والثقافة والسياحة في اليمن
يواجه العالم تحدياً إرهابياً متنامياً يتمثل في مليشيا الحوثي التابعة لإيران، وهي جماعة تسعى لتوسيع نفوذها السياسي والعسكري عبر استهداف حركة التجارة وإمدادات الطاقة العالمية ومصالح الدول، ونشر الفوضى في المنطقة نيابةً عن إيران.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي أطلقتها الحكومة اليمنية ودول المنطقة من خطورة المليشيا الحوثية منذ انقلابها العام 2014م على الأمن والسلم، إلا ان تلك التحذيرات لم تؤخذ على محمل الجد طيلة السنوات الماضية حتى اكتوى منها العالم باسره، إثر موجة الهجمات الإرهابية التي طالت السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، منذ نوفمبر 2023.
وبتنفيذهم هذه الهجمات فإن الحوثيين ينتهكون اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وكذلك القانون الدولي الإنساني.
هذه الهجمات ليست ظاهرة جديدة، فقد سبق وأن قام الحوثيون في 2016 بإطلاق الصواريخ على البحرية الأمريكية بالقرب من باب المندب، واستخدموا قوارب مفخخة مسيرة عن بُعد للهجوم على مدينة المخا في البحر الأحمر عام 2017، وهاجموا سفن سعودية في ميناء الحديدة في 2018، وهاجموا مينائي النشيمة في محافظة شبوة، والضبة بمحافظة حضرموت، واستهدفوا ناقلة نفطية في ميناء قناة النفطي بشبوة منتصف نوفمبر 2022، وزرعوا المئات من الألغام البحرية بشكل عشوائي في المياه الإقليمية، ووسعوا منذ يوليو 2023 نطاق عملياتهم ضد السفن التجارية وناقلات النفط باستخدام زوارق مفخخة وطائرات مسيرة، ما دفع شركات شحن دولية إلى اتخاذ تدابير احترازية مكلفة.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نفذ الحوثيون أكثر من 90 هجوما على السفن التجارية وناقلات النفط، وفقا لوكالة أسوشيتد برس، مما تسبب في تعطيل كبير في الشحن الدولي وزيادة رسوم التأمين والشحن، إلى جانب تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر ونحو 80% يحتاجون إلى مساعدات إنسانية طارئة للبقاء على قيد الحياة.
لقد بات تهديد المليشيا الحوثية يشكل خطراً مستمرا على خطوط الملاحة الدولية ومباشراً على الأمن والسلم الدوليين، وخاصة بالنظر إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تسيطر عليه ودورها في تنفيذ الأجندة الإيرانية لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد المصالح الدولية، إذ أن سيطرة المليشيا على مناطق استراتيجية مثل باب المندب، الذي يعد شرياناً حيوياً للاقتصاد الدولي وتمر عبره أكثر من 12% من التجارة العالمية، يمنح إيران ميزة غير مسبوقة في محاولاتها للسيطرة على مضيقين حيويين.
فإيران التي تُهدد بالفعل مضيق هرمز الذي يمر عبره حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، ستكون هددت 30% من حركة التجارة العالمية والنفط إذا استمرت تحرشات الحوثيين في باب المندب، ما سيؤدي لارتفاع تكاليف التأمين البحري، وأسعار النفط عالمياً، واضطراب حركة التجارة بين آسيا وأوروبا، وتهديد سلاسل التوريد العالمية، وزيادة التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.
لذلك فإن مليشيا الحوثي لم تُصبح تهديداً عالمياً من فراغ، بل بدعم مباشر من إيران التي زودتها بتكنولوجيا عسكرية متقدمة، وصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، حيث يمتلك الحوثيون الآن ترسانة من الصواريخ الباليستية التي يصل مداها إلى دول المنطقة، كما استخدموا الطائرات المسيّرة الإيرانية الصنع لتنفيذ هجمات على أهداف مدنية وعسكرية.
أظهر تقرير نشرته الأمم المتحدة أن ميليشيا الحوثي، بدعم من إيران وحزب الله اللبناني، تحولت من جماعة مسلحة محلية إلى منظمة عسكرية قوية تنفذ عمليات تمتد إلى ما هو أبعد من الأراضي التي تسيطر عليها.
وقد أكدت تقارير الأمم المتحدة ودول مثل الولايات المتحدة تورط إيران في تسليح الحوثيين بشكل ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك القرار (2216) الذي يُدين تسليح الحوثيين ويمنح الدول الإطار القانوني لتصنيفهم كجماعة إرهابية.
لقد أتاح التهاون الدولي مع مليشيا الحوثي على مدار السنوات الماضية، الفرصة لها للتطور كجماعة إرهابية عالمية وتهديد خطير يُشبه ”السرطان“ الذي بات ينتشر في جسد النظام الإقليمي والدولي، نتيجة للتقديرات الخاطئة والفشل في التعامل مع الخطر، والتصدي له قبل استفحاله.
ونحن هنا لا نبالغ ان شبهنا هذه المليشيا بـ”السرطان“ الذي إذا استمر تجاهله وعدم التعامل معه بحزم واتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، وانتشر في الجسد وأصبح في مرحلة متقدمة، سيصعب السيطرة عليه وسيصل إلى مرحلة نهائية يكون فيها استئصاله شبه مستحيل، ولن تقتصر التكلفة على المنطقة، بل ستمتد إلى أوروبا والولايات المتحدة التي تعتمد على استقرار خطوط الملاحة الدولية، وسيواجه العالم كله في المستقبل أزمات اقتصادية وأمنية كبرى، وسيدفع الجميع الثمن.
إن تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كجماعة إرهابية خاصة في يناير 2024، على خلفية الهجمات الإرهابية التي شنتها الميليشيا على ممرات الشحن الدولية، وفر للمجتمع الدولي أداة للضغط على الحوثيين لوقف أنشطتهم العسكرية والمالية غير المشروعة. أداة تمنع الميليشيا من الاستمرار في تلقي الدعم من إيران، وتردع سلوكها الإرهابي وترسل رسالة بأن ليس بمقدور أي شخص يرتكب جرائما ضد الانسانية أن يفلت من العقاب.
لقد آن الأوان لتبني استراتيجية دولية شاملة للتصدي لأنشطة مليشيا الحوثي، وضمان أمن وسلامة الممرات المائية الحيوية، ودعم استقرار المنطقة، والتحرك بحزم لصون السلم والامن الدوليين، عبر الشروع الفوري في تصنيفها ”منظمة إرهابية عالمية“، وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية، وفرض القيود على التجارة والعلاقات الدولية معها، وسن القوانين التي تفرض العقوبات على قياداتها وتجميد اصولهم ومنع سفرهم، وتكريس الجهود لدعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة الشرعية التي تمثل كافة الأطراف اليمنية لفرض سيطرتها وتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب، ودعم قوات خفر السواحل، وتحسين قدرتهم على حماية السواحل اليمنية.
إن تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية خطوة هامة لحماية الأمن العالمي كونه سيمكن المجتمع الدولي من اتخاذ إجراءات حازمة لردعهم وتجفيف مصادر تمويلهم، وإرسال رسالة ردع قوية إلى إيران بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع محاولاتها لزعزعة استقرار المنطقة.
لقد أصبحت مليشيا الحوثي تهديدا عالميا لا يمكن التساهل معه، لذلك فإن تصنيفها كجماعة إرهابية عالمية قرار لا يحتمل التأجيل وضرورة لحماية الأمن الدولي وضمان استقرار حركة التجارة العالمية.
فالعالم اليوم أمام مفترق طرق: إما اتخاذ إجراءات حاسمة، أو مواجهة تبعات كارثية في المستقبل القريب.
التعليقات مغلقة.