أهمية القوة البحرية
يعتمد أمن وازدهار سلطنة عمان على التدفق السلس للتجارة عبر المحيط الهندي
العميد الركن بحري خميس بن سالم الجابري، البحرية السلطانية العُمانية
تتمتع سلطنة عمان بعلاقة تاريخية طويلة مع البحر فخطها الساحلي البالغ طوله 3,165 كيلومتر الممتد من الخليج العربي الى المحيط الهندي واراضيها المترامية الإطراف بالإضافة الى العلاقات التجارية القوية عبر المحيط تجعل من الأمن البحري أهمية قصوى بالنسبة لها حيث كان و لايزال هذا المحيط يمثل فرصة أكثر من كونه عائق. لقد تميزت عمان دون غيرها بامتلاك بحرية قوية ابان العام 807 م وبحلول العام 1000 للميلاد وصلت السفن التجارية العمانية إلى الصين وما ورائها.
بفضل موقعها الإستراتيجي المطل على المحيط والخليج فأن السلطنة تتميز بأفضلية عن الدول الإقليمية الأخرى في التجارة البحرية وبهذا فهي تنظر دائما إلى المحيط الهندي المفتوح بدلا من الخليج العربي المغلق.
كمركز بحري هام، تتمتع عمان بعلاقات دبلوماسية مع دول بعيدة جغرافيا عنها مثل الصين، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، لذلك، فليس من المستغرب على دولة مثل عمان ان يرتبط تاريخها ً ارتباطا وثيقا بالبحر حيث انها الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي كانت لديها إمبراطورية قائمة على البحر كما انه ليس من المبالغة ايضا القول ان حكام عمان أسسوا إمبراطورية قائمة على البحر بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلادي امتدت من داخل الخليج العربي على طول جنوب إيران إلى ساحل شرق أفريقيا حيث استمر ذلك الوضع إلى القرن التاسع عشركما هو الموضح بالمنطقة المظللة باللون الأحمر في الخريطة إلى اليسار والتي تشير إلى النفوذ العماني في منتصف القرن التاسع عشر.
لقد ظلت أهمية التجارة والاتصالات البحرية باقية في تلك المنطقة، وعلى الرغم من ان المحيط الهندي يمثل 20 في المائة من مساحة العالم المائية الا انه يلعب دورا بارزا في التجارة العالمية حيث يعيش 60 في المائة من سكان العالم في الدول المطلة على المحيط الهندي كما تمربه ما نسبته 60 في المائة من التجارة العالمية، لهذا، فبالنسبة لدولة مثل الهند، تعد هذه المياه بمثابة شريان الحياة حيث توفر ممرا لـ 90 في المائة من وارداتها وصادراتها اما الصين، فإن الرقم قد يتجاوز أكثر من 60 في المائة.
الى جانب ذلك تعتمد شحنات الطاقة بشكل خاص على المحيط الهندي والمياه المجاورة حيث يربط خط ساحل شبه الجزيرة العربية شبكات كبيرة من خطوط الأنابيب والموانئ التي تتعامل مع شحنات النفط والغاز إذ يتم شحن ثلثي نفط منطقة الخليج العربي إلى آسيا عبرسفن تمخر جميعها تقريبا عباب المحيط الهندي. هناك أربعة مضايق بحرية رئيسية توفر ممرا هاما لهذه الناقلات الكبيرة: مضيق هرمز (17 مليون برميل يومياً)، مضيق ملقا
(15 مليون برميل يومياً)، قناة السويس (5.4 مليون برميل يومياً)، ومضيق باب المندب (8.3 مليون برميل يوميا). وتطل عمان على مضيق هرمز الحيوي وبه نظام فصل المرور يقع في المياه الإقليمية العمانية ويعتبر هذا الممر قناة ضحلة نسبيا اذ لا يتجاوز عرضه عن 21 ميل بحري إلا انه يعج بحركة بحرية حيوية.
تمتلك عمان خمسة موانئ رئيسية تتعامل جميعها مع سفن تجارية وسياحية كبيرة وسفن/ قوارب الصيد الأمر الذي يعني، أن الأمن البحري في المحيط الهندي أمر حيوي ليس لعمان فحسب، بل للعالم أجمع.
تقع اهم الموانئ العمانية وهما ميناء صلالة وميناء الدقم في موقع استراتيجي على بحر العرب اما الموانئ الأخرى: ميناء السلطان قابوس وميناء صحارعلى بحر عمان في حين يقع ميناء خصب في محافظة مسندم داخل الخليج العربي.
في إطار حماية البيئة البحرية التي تعتمد عليها السلطنة، هناك سبعة تحديات رئيسية – هي التهريب والاتجار، التلوث، القرصنة، الإرهاب، الصيد غير المشروع والصيد الجائر. ويتطلب التصدي لهذه التحديات تعاون دولي إذ لا يمكن لأي دولة بمفردها التغلب على هكذا مشاكل بالاعتماد على مواردها، خاصة في بيئة متقلبة كالمحيط الهندي.
تولي السلطنة أهمية في المحافظة على قدرة بحرية قوية لدعم وضمان سياستها الخارجية والأمنية كما تفتخر بالقيام بالتزاماتها الدولية والدفاع عن سيادتها مدركة أن السياسات التي تعتمد هي التي ستحدد أمانها وازدهارها.
وعموماً نحن في عمان نكرس أنفسنا دائما للحلول السلمية للصراعات. إن سياسة عمان الخارجية والأمنية مبنية على مبدأ التعايش السلمي مع جميع الدول. وكما قال حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد في عام 1994: “السلام مذهب نؤمن به ونسعى إلى تحقيقه دون تفريط ودون إفراط.”
هذا المقال هو تلخيص لخطاب القي على خريجي الكلية الحربية البحرية الأمريكية في سلطنة عمان في أواخر عام 2017.
التعليقات مغلقة.