أتمتة الأمن البحري
التمرين البحري الدولي لعام 2022 يقدم تكنولوجيا المسيَّرات لتوسيع نطاق المراقبة في البحار
أسرة يونيباث
تنازع القوات البحرية المشكلة ذاتها منذ آلاف السنين: فهي غالبا ما تفتقر إلى القوة البشرية والعتاد اللازمين للقيام بدوريات في عرض البحر وحماية التجارة البحرية من القرصنة.
اختبرت القوات البحرية متعددة الجنسيات المشاركة في «التمرين البحري الدولي» في شباط/فبراير 2022 حلاً لهذه المشكلة المزمنة؛ وهو حل يمكن أن يغير منهج الأساطيل البحرية طيلة العقود العديدة القادمة.
تقدم المسيَّرات نهجاً جديداً للقوات البحرية للقيام بواجباتها؛ فهي تنزلق تحت الماء كالأفاعي المعدنية، وتبحر على السطح بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتتعقب تحركات السفن من السماء.
وتنقل تلك المحاربات الآليات الصور التي يجمعنها إلى مراكز العمليات حيث تعمل القوات على تقييم التهديدات المحدقة بالسفن والموانئ، ثمَّ ترسل السفن أو الطائرات لمواجهتها بصورة أكثر مباشرة. بل يستطيع الذكاء الاصطناعي زيادة تقليل الحاجة إلى العنصر البشري مستقبلاً، ويتولى قدراً أكبر من عملية التحليل.
جمع «التمرين البحري الدولي» لعام 2022 تحالفاً كبيراً من القوات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر وبقاع من المحيط الهندي، وشاركت فيه أكثر من 80 مسيَّرة من 10 بلدان.
وصف الفريق بحري الأمريكي براد كوبر، قائد القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية، نسخة هذا العام من التمرين بأنها ”أكبر تمرين بحري للمسيَّرات في العالم.“ غادر المشاركون التمرين منبهرين بإمكانيات المسيَّرات المستخدمة في المجال البحري للتصدي للعناصر الإجرامية والإرهابية.
وقال الفريق كوبر لكبار قادة القوات البحرية في البحرين: “الآن وبعد أن رأينا هذه الأنظمة الجديدة وهي تعمل، سنأخذ الدروس المستفادة ونطبقها على جناح السرعة في سياق العمليات الواقعية.”
نشأ هذا التمرين البحري الدولي منذ أكثر من عقد من الزمان بوصفه تجمعاً من القوات البحرية الإقليمية والدولية التي تكمن غايتها في تأمين الممرات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر وحولهما.
شاركت 60 قوة بحرية في النسخة السابعة من التمرين، وقُسِّمت إلى أربع فرق مهام مختلطة، تدافع كلٌ منها عن منطقة مختلفة.
فقد تولت مصر قيادة فرقة المهام الغربية من ميناء برنيس على البحر الأحمر، وسلطنة عُمان فرقة المهام الشرقية في بحر العرب جنوبي مسقط، والإمارات قوة المهام الشمالية في الخليج العربي، وكينيا فرقة المهام الجنوبية بالقرب من القرن الإفريقي. كما حضر أفراد من القوات البحرية من المملكة العربية السعودية واليمن.
ودمجت القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية «التمرين البحري الدولي» مع تمرين «كوتلاس إكسبريس» السنوي الذي تشارك فيه القوات البحرية لشرق إفريقيا انطلاقاً من قواعد في جيبوتي وكينيا وسيشيل.
ومع أنَّ مديري التمرين سلطوا الضوء على فوائد المسيَّرات، فلم يهمل التمرين البحري الدولي التكتيكات التقليدية المتبعة لتأمين البحار: كسح الألغام، والغوص والتدمير، والإبحار في تشكيلات، وعمليات مكافحة التهريب والقرصنة، والرماية بالمدفعية على الأهداف السطحية، وتمارين حق الزيارة والصعود والتفتيش والمصادرة؛ كلها لعبت أدواراً كبيرة في فعاليات التمرين على مدار 18 يوماً.
ونصب مدربون من خفر السواحل الأمريكي ما يسمونه «سفينة في صندوق» في ميناء البحرين لصقل مهارات قوات المغاوير البحرينية والإماراتية؛ وهيكل «سفينة في صندوق» عبارة عن حاويات شحن معدنية، متصلة ببعضها البعض لتشبه الأجزاء الداخلية للسفينة، ووفرت الأجواء المناسبة لمحاكاة مداهمات لاقتحام سفينة معادية.
وبينما هرعت العناصر الستة المنتسبة لمجموعة الرد السريع الإماراتية التي ترتدي الزي الأسود إلى الأسفل للسيطرة على السفينة، صنع المدربون الأمريكيون دخاناً ومحاكاة لانفجارات وضوضاء لزيادة واقعية المهمة.
قال أحد عناصر المجموعة: “نختص بحماية السفن في المياه الإقليمية ونفذنا عدة مهام ضد القرصنة واختطاف السفن؛ وكان التمرين البحري الدولي فريداً من نوعه إذ تضمن عدة سيناريوهات نعمل فيها مع أشقاء من دول الخليج والجانب الأمريكي، وتساهم هذه التمارين في إقامة علاقات وثيقة مع الأصدقاء وتبادل الخبرات الميدانية معهم.”
وذكر المدرب كايل بيننتي، وهو رقيب بحري من الدرجة الأولى بخفر السواحل الأمريكي، أنه كان يتطلع هو وزملاؤه إلى هذين الأسبوعين من التدريب المكثف الذي شمل أيضاً فنون القتال الأعزل.
وقال: “يتمتع الفريق الإماراتي بخبرات واقعية كبيرة.”
خضع رجال البحرية ومشاة البحرية الأردنيون لتدريب مماثل في ميناء العقبة، كما استمتعوا بتعريف شامل بالمسيَّرات المشاركة في التمرين البحري الدولي لعام 2022. وأطلقت القوات المسلحة الأردنية، بالتعاون مع شركائها الأمريكيين، مسيَّرات غواصة وسطحية وجوية للكشف عن التهديدات البحرية وتقييمها.
تستطيع الأنظمة الآلية مراقبة ما يتراوح من أربعة إلى خمسة أضعاف المساحة التي تستطيع السفن ببحارتها مراقبتها، ويكمن الهدف من ذلك في رقمنة عمليات مراقبة البحار والمحيطات حتى ينعم عدد أكبر من سفن الشحن بحماية القوات البحرية، خاصة خلال عبور الممرات البحرية الحيوية.
وكما هو الحال في البحر الأحمر، نفذ رجال البحرية البحرينية عدة مهام تعتمد على مسيَّرات في الخليج العربي، ونالوا إعجاب العميد بحري البريطاني دونالد ماكينون، قائد التمرين البحري الدولي.
وأشار ماكينون إلى حجم المعرفة التي نهلها رجال البحرية الأمريكية والبريطانية من رجال البحرية المحلية القادرين على التمييز بين الصديق والعدو في ممرات الشحن الإقليمية المزدحمة. فقد أمست هذه الأفكار الثاقبة أكثر قيمة من ذي قبل في ظل تزايد قدرات المراقبة التي تتمتع بها المسيَّرات الجديدة.
وقال: “إنها ليست علاقة معلم بطالب، بل شراكة؛ وليس من احتكار لصفوة الأفكار.”
وأشاد العميد بحري الباكستاني وقار محمد، نائب قائد التمرين، بالتمرين البحري الدولي، معتبره دليلاً على أنَّ “العالم عاقد العزم على الحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام القوانين.”
وأضاف قائلاً: “أفضل شيء يمكننا الخروج به من هذا التمرين هو سرعة اجتماعنا معاً وسرعة التأقلم مع بعضنا البعض والإقبال على فهم لغة بعضنا البعض حتى يتسنى لنا العمل في سبيل قضية مشتركة.”
وصرَّح العميد بحري خالد العلي من القوات المسلحة الإماراتية، الذي خدم في مركز عمليات التمرين بالبحرين، أنَّ التركيز على التكتيكات والتكنولوجيا المتطورة لا غنىً عنهما لبلاده.
وقال: “اكتشفنا سبلاً جديدة للارتقاء بقدراتنا واستخدام معداتنا في ظروف واقعية.”
وجدير بالذكر أنَّ القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية وشركاءها يعتزمون عقد النسخة القادمة من التمرين البحري الدولي في عام 2023، ومن المتوقع أن يرتفع مستوى المشاركة في ظل إقبال المزيد من البلدان على الأتمتة والرقمنة لرفع فعاليتها في تأمين حدودها البحرية. وفي كلمته الختامية للتمرين البحري، أعرب الفريق الأول كوبر عن تقديره لكل ما أنجزوه خلال التمرين على ملايين الأميال المربعة من المسطحات المائية.
وقال: “نجحنا لأننا خططنا معاً، وتدربنا معاً، وتاليا قدنا معاً.”
عيون يقظة على الأمواج
المقدم هشام الجراح، قائد القوة البحرية والزوارق الملكية الأردنية
تركز الصناعة في هذه الحقبة الجديدة من الابتكار والتطوير على إنتاج وسائل دفاع تتميز بأمانها وجودتها واستهلاكيتها، وبما أننا نحترم حياة الإنسان، فإننا نبحث عن وسائل آمنة لتنفيذ مهامنا اليومية مع تأمين حياة أسرنا وأحبائنا في أي منظومة دفاعية على مستوى العالم.
وقد كان التمرين البحري الدولي لعام 2022 حدثاً بارزاً يستحق تغطية إعلامية أكبر من تلك التي حظي بها، فهو تمرين دولي عملت فيه أكثر من 60 دولة و20 شركة صناعية كتفاً الى كتف لفرض الأمن البحري.
واعتمد التمرين البحري الدولي لعام 2022 أشد الاعتماد على الأنظمة ذاتية التحكم لتنفيذ سيناريوهات التدريب في الخليج العربي وخليج عدن وخليج العقبة والبحر الأحمر؛ والمراد من ذلك أنَّ التدريبات البحرية المعتادة، كعمليات الإنقاذ البحري وتتبع السفن المحتمل أن تكون معادية والتصدي للمعتدين على المياه الإقليمية، جرت باستخدام مسيَّرات بدلاً من الاكتفاء بالأدوات التقليدية.
وإليكم نموذج السيناريو الذي يستخدم التكنولوجيا الجديدة:
تقترب سفينة مجهولة من المياه الإقليمية، وخط الاكتشاف الأول عبارة عن مسيَّرة سطحية من تصنيع شركة «سيلدرون»، يبلغ طولها 3 أمتار وعرضها 30 سنتيمتراً وفي وسطها صاري بارتفاع مترين، وتعمل بطاقة الشمس والرياح، وتجوب البحار عبر الأقمار الصناعية، ويمكنها الإبحار لمدة عام كامل بدون صيانة.
تستخدم الكاميرا الموجودة فوق صاريها برنامج تحليل رقمي لاكتشاف السفن، ويستخدم نظام التعرف الآلي بها جهاز إرسال واستقبال للتعرف على السفن المسجلة في السجلات الدولية.
فأمَّا إذا كانت السفينة مسجلة، فسترسل هذه المسيَّرة البحرية اسمها وسرعتها ومسارها، وأمَّا إذا كانت غير مسجلة في نظام التعريف الآلي، فسترسل المسيَّرة تحذيراً يتضمن صورة السفينة وسرعتها ومسارها.
وأمَّا إذا اعتبرت السفينة المجهولة عنصراً مثيراً للاهتمام، فيرسل مركز العمليات البحرية طائرة مسيَّرة للتحقق من الرؤية عبر بث فيديو مباشر للسفينة.
وإذا تبيَّن لمركز العمليات أنَّ الهدف معادي، فهو على الخيار في أن يرسل إمَّا سفينة بقوات بحرية لاعتراضها أو إرسال طائرة مسيَّرة مقاتلة قادرة على تدمير أي سفينة صغيرة.
ففي حالة الخيار الأول، فإنك ترسل عناصر عالية التدريب إلى الميدان معها أعين في السماء تعرِّفها باتجاه السفينة المعادية ومسارها، مما يلغي عنصر المفاجأة إذا اضطرت تلك العناصر إلى اتخاذ إجراء سريع.
وفي حالة الخيار الثاني، فإنَّ الطائرة المسيَّرة المقاتلة تستطيع إطلاق صاروخ بتوجيه من المسيَّرات الجوية والبحرية.
تمكنت الجيوش المشاركة في التمرين البحري الدولي لعام 2022 من اختبار جميع الأنظمة واستخدامها في سيناريوهات واقعية، مما يساعد على تقليل المخاطر التي يتعرَّض لها العنصر البشري، والتخلص من جملة من الأخطاء البشرية من سلاسل الأحداث المتصاعدة تلك.
نحن ندخل حقبة جديدة من الابتكار والتكنولوجيا ستجعل كافة المواطنين الملتزمين بالقانون ينعمون بقدر أكبر من الأمن والأمان في هذه المعمورة.
التعليقات مغلقة.