نموذج للجندي المحترف

كان‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬العبودي‭ ‬مثالاً‭ ‬للمهنية‭ ‬والشجاعة‭ ‬والأخلاق‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬ضد‭ ‬داعش

أسرة‭ ‬يونيباث‭  |  ‬تصوير‭ ‬إعلام‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب
قصص‭ ‬البطولة‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الرافدين،‭ ‬فمعارك‭ ‬التحرير‭ ‬التي‭ ‬سطر‭ ‬بها‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬العراقية‭ ‬البطولات‭ ‬والتضحيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬طرد‭ ‬عصابات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والأفكار‭ ‬المنحرفة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬تعايشت‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬الأطياف‭ ‬بأمن‭ ‬وسلام‭. ‬قصة‭ ‬الشهيد‭ ‬البطل‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬العبودي،‭ ‬أحد‭ ‬مقاتلي‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬تجعل‭ ‬القارئ‭ ‬يتوقف‭ ‬عندها‭. ‬قصص‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أرض‭ ‬العراق‭ ‬هي‭ ‬مصنع‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭. ‬تحدث‭ ‬لنا‭ ‬رفاق‭ ‬سلاحه،‭ ‬وقائده‭ ‬وعائلته‭ ‬عن‭ ‬ذكريات‭ ‬طفولته،‭ ‬أحلامه‭ ‬وشجاعته‭. ‬كان‭ ‬لقاؤنا‭ ‬الأول‭ ‬بوالده‭.‬
كانت ‭ ‬ولادة‭ ‬حبيبي‭ ‬وولدي‭ ‬وصديقي‭ ‬ياسر‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني،‭ ‬1991‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭. ‬كان‭ ‬ترتيبهُ‭ ‬الثالث‭ ‬بالعائلة‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ولدان‭ ‬وأربع‭ ‬بنات‭. ‬مرت‭ ‬السنين‭ ‬وكبر‭ ‬ياسر‭ ‬وأنا‭ ‬أراهُ‭ ‬يوماً‭ ‬بَعدَ‭ ‬يوم،‭ ‬ككل‭ ‬أب،‭ ‬كنتُ‭ ‬أسرحُ‭ ‬بعيداً‭ ‬بمخيلتي‭ ‬وأُمني‭ ‬النفس‭ ‬بأن‭ ‬أراهُ‭ ‬شاباً‭ ‬يقفُ‭ ‬بجانبي‭ ‬وأنا‭ ‬أستقبلُ‭ ‬المهنئين‭ ‬بحفلِ‭ ‬زفافه‭. ‬كان‭ ‬طفلاً‭ ‬ذكياً‭ ‬وأنهى‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬دراستهِ‭ ‬بتفوق‭. ‬كان‭ ‬يتحلى‭ ‬بأخلاق‭ ‬عالية‭ ‬ولايخرج‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الاحترام‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يمازح‭ ‬أصدقاءه‭. ‬ذكر‭ ‬لي‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬هادي،‭ ‬أحد‭ ‬مدرسيه‭ ‬في‭ ‬الإعدادية‭: ‬طيلةعمري‭ ‬لم‭ ‬أتمازح‭ ‬مع‭ ‬طالبٍ‭ ‬من‭ ‬طلابي‭ ‬غير‭ ‬ياسر،‭ ‬لأن‭ ‬المزاح‭ ‬معهُ‭ ‬لهُ‭ ‬نكهه‭ ‬وضحكتهُ‭ ‬مُميزه‭. ‬منذ‭ ‬صغر‭ ‬سنه،‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬مصروفه،إذكان‭ ‬طالباً‭ ‬ويعمل‭ ‬في‭ ‬المتوسطة‭ ‬والإعدادية‭ ‬والجامعة‭. ‬كنا‭ ‬أنا‭ ‬وأمه‭ ‬نبتسم‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬بأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬مصروف‭ ‬البيت،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬الإصرار‭ ‬في‭ ‬عينيه‭. ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬شبابهُ‭ ‬كباقي‭ ‬الشباب‭. ‬كان‭ ‬همهُ‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭ ‬سأرفع‭ ‬الحملَ‭ ‬عنكَ‭ ‬يا‭ ‬والدي‭ ‬لأنكَ‭ ‬أفنيتَ‭ ‬شبابكَ‭ ‬من‭ ‬أجلنا‭.”‬
كانت‭ ‬عبرات‭ ‬الحزن‭ ‬تتكسر‭ ‬بصدر‭ ‬والده‭ ‬وهو‭ ‬يروي‭ ‬لمجلة‭ ‬يونيباث‭ ‬ذكرياته‭ ‬فلذة‭ ‬كبده‭.‬
‭”‬كان‭ ‬حلم‭ ‬طفولته‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬ضابطاً‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة،‭ ‬لما‭ ‬لهذه‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬سمعة‭ ‬وأحترام‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭. ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬14‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬يشاهد‭ ‬أرتال‭ ‬رجال‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬ببذلاتهم‭ ‬السوداء‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬بغداد،‭ ‬وهم‭ ‬يقومون‭ ‬بإلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المتهمين‭ ‬بالإرهاب‭ ‬أو‭ ‬يتولون‭ ‬مهام‭ ‬سيطرة‭ ‬لتفتيش‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الساخنة‭. ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬ينظر‭ ‬لهم‭ ‬بفخر‭ ‬ويتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واحداً‭ ‬منهم،‭ ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬الفرصة‭ ‬ليدخل‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬الرابعة،‭ ‬دورة‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتخرج‭ ‬منها‭ ‬بتفوق‭ ‬وكان‭ ‬تسلسله‭ ‬بالقدم‭ ‬19‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬دفعة‭ ‬الدورة‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬ما‭ ‬يُقارب‭ ‬235‭.”‬
بعد‭ ‬تخرجه‭ ‬من‭ ‬أكاديمية‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬تم‭ ‬تثبيته‭ ‬المشاور‭ ‬القانوني‭ ‬لفوج‭ ‬ميسان،‭ ‬لكن‭ ‬ياسر‭ ‬لم‭ ‬ينضم‭ ‬لجهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬والحرب‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬وشمال‭ ‬الوطن‭. ‬كان‭ ‬حلم‭ ‬الذهاب‭ ‬لجبهات‭ ‬القتال‭ ‬يداعب‭ ‬قلبه‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬الحلم‭ ‬وألتحق‭ ‬برفاقه‭ ‬في‭ ‬الأنبار‭.‬
كانت‭ ‬كلمات‭ ‬الملازم‭ ‬الأول‭ ‬يوسف‭ ‬علي،‭ ‬رفيق‭ ‬سلاحه‭ ‬وأقرب‭ ‬صديق‭ ‬للشهيد‭ ‬ياسر‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬الفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بمواقف‭ ‬ياسر‭. ‬
‭”‬أول‭ ‬مرة‭ ‬التقي‭ ‬بها‭ ‬ياسر‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭ ‬2014‭ ‬حيث‭ ‬التحقنا‭ ‬للكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬الناصرية‭. ‬تدربنا‭ ‬ضمن‭ ‬الفصيل‭ ‬الثالث‭ ‬معاً،‭ ‬وبدأت‭ ‬علاقتنا‭ ‬كطلاب‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وجمعتنا‭ ‬ذكريات‭ ‬ومواقف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نسيانها‭. ‬نحن‭ ‬الإثنين‭ ‬نسكن‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد‭ ‬ومن‭ ‬أحياء‭ ‬متجاورة‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬أصدقاء‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭. ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بشخصية‭ ‬محبوبة‭ ‬لدى‭ ‬أصدقاءه،‭ ‬دائماً‭ ‬مبتسم،‭ ‬يطلق‭ ‬التعليقات‭ ‬والنكات‭.” ‬
وأضاف‭ “‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬مميزاً‭ ‬بحبه‭ ‬للعسكرية‭ ‬وكان‭ ‬شجاعاً‭ ‬جداً،‭ ‬ولا‭ ‬يخاف‭ ‬التمارين‭ ‬الخطرة‭ ‬مثل‭ ‬النزول‭ ‬بالحبال‭ ‬من‭ ‬الهليكوبتر،‭ ‬أو‭ ‬تسلق‭ ‬الأبراج‭ ‬الشاهقة‭. ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬التمارين،‭ ‬وكان‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يدرب‭ ‬ويعلم‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭. ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬ترشيحه‭ ‬ليكون‭ ‬عريفاً‭ ‬للفصيل‭ ‬لتميزه‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الواجبات‭ ‬وسرعة‭ ‬اتقانه‭ ‬التطبيقات‭ ‬وشخصية‭ ‬القيادية‭.”‬
‭”‬بعد‭ ‬التخرج‭ ‬وانضمامنا‭ ‬لدورة‭ ‬السلكشن‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬جمعتنا‭ ‬الصدفة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬برغم‭ ‬قسوة‭ ‬وعنف‭ ‬التدريب‭ ‬في‭ ‬أكاديمية‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬متميزاً‭ ‬ومن‭ ‬الأوائل،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الرماية‭. ‬كان‭ ‬يصيب‭ ‬الأهداف‭ ‬ببراعة،‭ ‬ولديه‭ ‬إرادة‭ ‬قوية‭ ‬وإصرار‭ ‬كبير‭ ‬لإكمال‭ ‬الدورة،‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬يشجع‭ ‬الطلاب‭ ‬الذين‭ ‬يصلون‭ ‬لمرحلة‭ ‬الانهيار‭ ‬ويقرروا‭ ‬ترك‭ ‬الدورة‭. ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬بأن‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬تحتاج‭ ‬لرجال‭ ‬أشداء‭.‬‭” ‬
لدى‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬تقليد‭ ‬مميز‭ ‬هو‭ ‬تنسيب‭ ‬الخريجين‭ ‬بطريقة‭ ‬القرعة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬المحسوبيات‭. ‬وبإشراف‭ ‬السيد‭ ‬رئيس‭ ‬الجهاز‭ ‬تمت‭ ‬القرعة‭ ‬وكان‭ ‬نصيب‭ ‬ياسر‭ ‬الإلتحاق‭ ‬بفوج‭ ‬ميسان‭.‬
‭”‬كانت‭ ‬فرحتنا‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬حين‭ ‬علمنا‭ ‬بأننا‭ ‬سنتوجه‭ ‬معا‭ ‬لفوج‭ ‬ميسان‭. ‬التحق‭ ‬ياسر‭ ‬بالمقر‭ ‬المتقدم‭ ‬للفوج‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬البكر‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الأنبار‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬التحاقي‭ ‬هناك‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬ميسان‭ ‬إلى‭ ‬الأنبار‭ ‬متعبا‭ ‬جداً،‭ ‬بسبب‭ ‬دخول‭ ‬داعش‭ ‬و‭ ‬تقطع‭ ‬الطرق‭ ‬وتداخل‭ ‬مواقع‭ ‬العدو،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬الأرتال‭ ‬تستخدم‭ ‬الطرق‭ ‬الترابية‭. ‬حين‭ ‬وصل‭ ‬ياسر‭ ‬كانت‭ ‬بدلته‭ ‬السوداء‭ ‬وسلاحه‭ ‬قد‭ ‬تحولا‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬التراب‭. ‬برغم‭ ‬السفر‭ ‬الشاق‭ ‬والإرهاق‭ ‬وإلحاحي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬قسطاً‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬مصراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬آخذه‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬قاطع‭ ‬العمليات‭.”‬
في‭ ‬معارك‭ ‬الفلوجة،‭ ‬حيث‭ ‬التضاريس‭ ‬القاسية‭ ‬وانقطاع‭ ‬خطوط‭ ‬الإمداد،‭ ‬كانت‭ ‬معنويات‭ ‬المقاتلين‭ ‬مهزوزة،‭ ‬لكن‭ ‬إصرار‭ ‬وتشجيع‭ ‬ياسر‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬يستمرون‭ ‬بالقتال‭. ‬
‭”‬اشتركنا‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬تحرير‭ ‬الرمادي‭ ‬والفلوجة،‭ ‬كان‭ ‬يشغل‭ ‬معاون‭ ‬آمر‭ ‬السرية‭ ‬الثانية‭. ‬قضينا‭ ‬أسبوعين‭ ‬على‭ ‬ساتر‭ ‬النعيمية‭ ‬في‭ ‬الفلوجة‭ ‬والمعروف‭ ‬بشراسة‭ ‬المعارك‭ ‬وقساوة‭ ‬التضاريس‭ ‬وقلة‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭. ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يثني‭ ‬ياسر،‭ ‬كانت‭ ‬ابتسامته‭ ‬تبعث‭ ‬الإرتياح‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المقاتلين‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬معنوياتهم‭.”‬
برز‭ ‬اسم‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬للشجاعة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتحلى‭ ‬بها،‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬جنوده‭ ‬ومعداتهم‭. ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬ترك‭ ‬جريح‭ ‬أو‭ ‬شهيد‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭. ‬كان‭ ‬وعده‭ ‬لجنوده‭ ‬بأنه‭ ‬سيحافظ‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬ما‭ ‬يحتاجون‭ ‬ولا‭ ‬يتركهم‭ ‬إذا‭ ‬جرحوا‭ ‬أو‭ ‬استشهدوا‭. ‬
وهنا‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬العقيد‭ ‬ركن‭ ‬أركان‭ ‬جلال‭ ‬التكريتي،‭ ‬آمر‭ ‬فوج‭ ‬ميسان‭ ‬أحد‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭:‬
‭”‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حصيبة‭ ‬شرق‭ ‬الرمادي،‭ ‬شن‭ ‬داعش‭ ‬هجوم‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬قاطع‭ ‬الشرطة‭ ‬الإتحادية،‭ ‬واستطاع‭ ‬تدمير‭ ‬بعض‭ ‬الدفاعات،‭ ‬إذ‭ ‬جاءت‭ ‬الأوامر‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المشتركة‭ ‬لتحرك‭ ‬فوجنا‭ ‬فوراً‭ ‬الى‭ ‬منطقة‭ ‬حصيبة‭ ‬الشرقية‭. ‬تم‭ ‬التحرك‭ ‬من‭ ‬الحبانية‭ ‬باتجاه‭ ‬حصيبة‭. ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬رحلة‭ ‬شاقة‭ ‬وطويلة‭ ‬وسط‭ ‬صحراء‭ ‬تكتنفها‭ ‬مفخخات‭ ‬وكمائن‭ ‬داعش‭. ‬وبعد‭ ‬وصولنا،‭ ‬بدأنا‭ ‬بالاشتباك‭ ‬مع‭ ‬داعش،‭ ‬وأثناء‭ ‬المعركة‭ ‬تعرضت‭ ‬مجموعة‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬لهجوم‭ ‬انتحاري‭ ‬بعجلة‭ ‬مفخخة‭ ‬وقد‭ ‬جرح‭ ‬ياسر‭ ‬في‭ ‬كتفه‭ ‬جراء‭ ‬الانفجار‭. ‬كانت‭ ‬إجراءات‭ ‬حماية‭ ‬القوة‭ ‬تتطلب‭ ‬ترك‭ ‬الموقع‭ ‬لإحتمالية‭ ‬قيام‭ ‬العدو‭ ‬بهجوم‭ ‬ثاني،‭ ‬وإرسال‭ ‬مقاتلين‭ ‬للاشتباك‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات‭ ‬المعتمدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬داعش‭. ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬عرف‭ ‬ياسر‭ ‬بفقدان‭ ‬أحد‭ ‬مقاتليه،‭ ‬قرر‭ ‬الصعود‭ ‬لسطح‭ ‬المنزل‭ ‬والبحث‭ ‬عنه‭. ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬جثته‭ ‬قد‭ ‬رميت‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الانفجار‭ ‬إلى‭ ‬البيوت‭ ‬لمجاورة‭. ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬المكان‭ ‬حتى‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬جثمان‭ ‬الشهيد‭ ‬ونقله‭ ‬معه‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كسبه‭ ‬ثقة‭ ‬المقاتلين‭.”‬
وذكر‭ ‬الملازم‭ ‬يوسف‭ ‬موقفاً‭ ‬آخر‭ ‬أثناء‭ ‬معركة‭ ‬الموصل‭:‬
‭”‬انطلقنا‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭ ‬الثالثة‭ ‬بأمرة‭ ‬العقيد‭ ‬أركان‭ ‬نحو‭ ‬أهدافنا‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬الموصل‭. ‬كانت‭ ‬معركة‭ ‬حي‭ ‬الزهراء‭ ‬الأكثر‭ ‬شراسة‭. ‬كان‭ ‬داعش‭ ‬يقاتل‭ ‬باستماتة‭ ‬ويستخدم‭ ‬الانتحاريين‭ ‬والمفخخات‭ ‬بكثافة‭. ‬كان‭ ‬واجبنا‭ ‬مسك‭ ‬شارع‭ ‬رئيسي‭ ‬لقطع‭ ‬طريق‭ ‬الانتحاريين‭ ‬والمفخخات‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬جناح‭ ‬الأرتال‭ ‬المتقدمة‭. ‬لكننا‭ ‬كنا‭ ‬أمام‭ ‬تحدي‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬جميع‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشارع‭ ‬عشوائية،‭ ‬سوى‭ ‬منزل‭ ‬واحد‭ ‬ذو‭ ‬طابقين‭ ‬أما‭ ‬البقية‭ ‬بارتفاع‭ ‬منخفض‭ ‬وسقوف‭ ‬معدنية‭. ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬للتمركز‭ ‬والاحتماء،‭ ‬فالمنطقة‭ ‬مفتوحة‭ ‬واحتمالية‭ ‬الهجوم‭ ‬بالمفخخات‭ ‬عالٍ‭ ‬جداً‭. ‬
وبعد‭ ‬ليلة‭ ‬شاقة‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬قام‭ ‬داعش‭ ‬بهجوم‭ ‬عنيف‭ ‬على‭ ‬موقعنا‭ ‬في‭ ‬الضياء‭ ‬الأول‭ ‬مستغلين‭ ‬إرهاق‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬طوال‭ ‬الليل،‭ ‬لكن‭ ‬قاد‭ ‬ياسر‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬المنزل،‭ ‬وشل‭ ‬حركة‭ ‬العدو،‭ ‬واستطعنا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬موقعنا‭. ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬أرسلت‭ ‬القيادة‭ ‬ضابط‭ ‬جديد‭ ‬ليقود‭ ‬السرية‭ ‬ليأخذ‭ ‬ياسر‭ ‬فيهما‭ ‬استراحة،‭ ‬لكن‭ ‬ياسر‭ ‬قرر‭ ‬البقاء‭ ‬مع‭ ‬سريته‭ ‬قائلاً‭ ‬بأن‭ ‬مصيره‭ ‬من‭ ‬مصيرهم‭.”‬
أما‭ ‬عن‭ ‬المقاتل‭ ‬الشجاع،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬خلفه‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يستخدمه‭ ‬العدو‭ ‬لقتل‭ ‬رفاقه،‭ ‬ذكر‭ ‬العقيد‭ ‬أركان‭ ‬جلال‭ ‬قصة‭ ‬مجازفة‭ ‬ياسر‭ ‬بحياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جلب‭ ‬رشاشة‭ ‬ثقيلة،‭ ‬تركها‭ ‬بعض‭ ‬الجنود‭ ‬وانسحبوا‭. ‬
‭”‬يوم‭ ‬19‭ ‬مايو‭ ‬2015‭ ‬قام‭ ‬العدو‭ ‬بتعرض‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬قاطعنا،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬الأوامر‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬الموقع،‭ ‬وهنا‭ ‬برز‭ ‬دور‭ ‬ياسر‭ ‬كقائد‭ ‬شجاع‭. ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬ياسر‭ ‬بسحب‭ ‬جنوده‭ ‬من‭ ‬مواقعهم‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬خسائر‭ ‬وبدون‭ ‬نقص‭ ‬عتاد‭ ‬أو‭ ‬قطعة‭ ‬سلاح‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مفرزة‭ ‬لرشاشة‭ ‬ثقيلة‭ ‬50‭ ‬كال‭ ‬في‭ ‬العقدة‭ ‬60‭. ‬موقعها‭ ‬استراتيجي‭ ‬ومسيطر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الطرق‭. ‬عرف‭ ‬ياسر‭ ‬بأن‭ ‬مفرزة‭ ‬الرشاشة‭ ‬انسحبوا‭ ‬وتركوا‭ ‬الرشاشة‭ ‬هناك‭ ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬موقعه‭ ‬وليس‭ ‬سلاحه،‭ ‬لكن‭ ‬ياسر‭ ‬يعرف‭ ‬معنى‭ ‬سقوط‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬الفعال‭ ‬بيد‭ ‬داعش‭ ‬مما‭ ‬سيكبد‭ ‬قواتنا‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭. ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬المقاتلين‭ ‬وسط‭ ‬النيران‭ ‬الكثيفة‭ ‬وشراسة‭ ‬المعركة‭ ‬للوصول‭ ‬لموقع‭ ‬الرشاشة‭ ‬وجلبها‭ ‬معه‭. ‬وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬مشهودٌ‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬القيادة‭ ‬حيث‭ ‬عرض‭ ‬نفسه‭ ‬للخطر‭ ‬ورفض‭ ‬ترك‭ ‬الرشاشة‭ ‬الثقيلة‭ ‬لداعش،‭ ‬وكنا‭ ‬أنا‭ ‬وياسر‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬الفوج‭. ‬كان‭ ‬العدو‭ ‬يبعد‭ ‬عنهم‭ ‬أمتار‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬الرصاص‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يثني‭ ‬إرادة‭ ‬ياسر‭ ‬من‭ ‬جلب‭ ‬الرشاشة‭ ‬من‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ ‬قبل‭ ‬الانسحاب‭.”‬
يتمتع‭ ‬الفرسان‭ ‬بجانب‭ ‬الشجاعة‭ ‬بالأخلاق‭ ‬العالية‭ ‬واحترام‭ ‬السكان،‭ ‬وتعامل‭ ‬الشهيد‭ ‬ياسر‭ ‬مع‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المحررة‭ ‬كان‭ ‬مبعث‭ ‬فخرٍ‭ ‬لكل‭ ‬مقاتلي‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬ومحط‭ ‬احترام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭. ‬تأريخه‭ ‬ملئ‭ ‬بقصص‭ ‬الأمانة‭ ‬والإيثار‭ ‬واحترام‭ ‬المدنيين‭. ‬ذكر‭ ‬والد‭ ‬ياسر‭ ‬فرح‭ ‬ولده‭ ‬حين‭ ‬اتصل‭ ‬به‭ ‬ليخبره‭ ‬القصة،‭ ‬وكم‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬وشقيقات‭ ‬ياسر‭ ‬فخورات‭ ‬عند‭ ‬سماع‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬التربية‭.‬
‭”‬أثناء‭ ‬تفتيش‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬الرمادي،‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مصوغات‭ ‬ذهبية‭ ‬ثمينة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المنازل،‭ ‬حيث‭ ‬ترك‭ ‬الناس‭ ‬بيوتهم‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬أثناء‭ ‬اجتياح‭ ‬داعش‭. ‬قام‭ ‬ياسر‭ ‬وبحضور‭ ‬جنوده‭ ‬في‭ ‬عد‭ ‬وتوثيق‭ ‬الموجودات‭ ‬وإرسالها‭ ‬لمقر‭ ‬القيادة‭ ‬مع‭ ‬تفاصيل‭ ‬المنزل‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬اعادتها‭ ‬لأصحابها‭.” ‬
وحدثنا‭ ‬الملازم‭ ‬يوسف‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬رفعة‭ ‬أخلاق‭ ‬ياسر‭.‬
‭”‬أثناء‭ ‬تفتيش‭ ‬الساحل‭ ‬الأيسر‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬كنا‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬أهلها‭ ‬موجودين‭. ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬ياسر‭ ‬لأحد‭ ‬الجنود‭ ‬بمعاكسة‭ ‬الفتيات‭. ‬كان‭ ‬يوصي‭ ‬المقاتلين‭ ‬بأن‭ ‬يحترموا‭ ‬السكان‭ ‬ويعاملونهم‭ ‬معاملة‭ ‬الأهل،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬قمة‭ ‬الشجاعة‭ ‬والرجولة‭.”‬
صمت‭ ‬الملازم‭ ‬يوسف‭ ‬لوهله‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬
‭”‬في‭ ‬حي‭ ‬المهندسين‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأيسر،‭ ‬كلفنا‭ ‬بواجب‭ ‬تفتيش‭ ‬المنطقة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬ومخابئ‭ ‬الإرهابيين‭. ‬داهمنا‭ ‬منزلاً‭ ‬كان‭ ‬وكراً‭ ‬لداعش‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬إلا‭ ‬فتيات‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬حيث‭ ‬هرب‭ ‬الإرهابيون‭. ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬ياسر‭ ‬بدخول‭ ‬كل‭ ‬القوة،‭ ‬بل‭ ‬دخل‭ ‬هو‭ ‬وإثنين‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬للتفتيش‭. ‬وبكل‭ ‬أحترام‭ ‬فتشوا‭ ‬وجمعوا‭ ‬الأدلة،‭ ‬وقال‭ ‬ياسر‭ ‬لأحدى‭ ‬الفتيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترتعد‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬بأن‭ ‬تطمئن‭ ‬وقال‭ ‬اعتبرونا‭ ‬بمثابة‭ ‬اخوتكم‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لحمايتكم‭. ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬التفتيش‭ ‬أمر‭ ‬جنوده‭ ‬بإعطاء‭ ‬الفتيات‭ ‬بعض‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭.”‬
وفي‭ ‬قصة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬حدثنا‭ ‬آمره،‭ ‬العقيد‭ ‬الركن‭ ‬أركان‭ ‬جلال،‭ “‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الساحل‭ ‬الأيسر‭ ‬بأيام،‭ ‬كانت‭ ‬المدينة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭. ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬السكان‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬منطقتهم‭ ‬مولد‭ ‬كهرباء‭ ‬ويحتاج‭ ‬للوقود،‭ ‬وأعطوه‭ ‬عنوان‭ ‬ورقم‭ ‬سائق‭ ‬الصهريج‭ ‬الذي‭ ‬يجلب‭ ‬الوقود‭. ‬كان‭ ‬مكان‭ ‬صهريج‭ ‬الوقود‭ ‬يبعد‭ ‬30‭ ‬كيلو‭ ‬عن‭ ‬الموقع،‭ ‬وبسبب‭ ‬استخدام‭ ‬داعش‭ ‬للصهاريج‭ ‬كمفخخات،‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الأمنية‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بحركتها‭. ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬ياسر‭ ‬وطلب‭ ‬موافقتي‭ ‬لجلب‭ ‬الصهريج،‭ ‬وأنا‭ ‬باركت‭ ‬الفكرة،‭ ‬وبعد‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬ملازم‭ ‬ياسر،‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬للسماح‭ ‬بدخول‭ ‬الصهريج‭. ‬وكان‭ ‬ياسر‭ ‬لمدة‭ ‬ساعتين‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬مع‭ ‬السيطرات‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الطريق‭ ‬لإيصال‭ ‬الوقود‭. ‬وحين‭ ‬وصول‭ ‬الوقود،‭ ‬توفرت‭ ‬الكهرباء‭ ‬للمواطنين‭ ‬وكان‭ ‬امتنانهم‭ ‬كبيراً‭ ‬لجهد‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬بإعادة‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬للحي‭ ‬بعد‭ ‬التحرير‭ ‬بأيام‭.”‬
‭ ‬ذكر‭ ‬الملازم‭ ‬يوسف‭ ‬تعامل‭ ‬الملازم‭ ‬ياسر‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬الجياع‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬في‭ ‬الموصل‭. ‬
‭”‬برغم‭ ‬قلة‭ ‬أرزاق‭ ‬المعركة‭ ‬ووعورة‭ ‬طرق‭ ‬الإمداد،‭ ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬وجنوده‭ ‬يقتسمون‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭ ‬مع‭ ‬المدنيين‭. ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬ماء‭ ‬ومواد‭ ‬غذائية‭ ‬أثناء‭ ‬تجولنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المسؤولية،‭ ‬يوزعها‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬نجدهم‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭. ‬تعلم‭ ‬جنوده‭ ‬من‭ ‬آمرهم،‭ ‬بأن‭ ‬يضعوا‭ ‬أمن‭ ‬وراحة‭ ‬المواطن‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لذلك‭ ‬كانوا‭ ‬متحمسين‭ ‬لإقتسام‭ ‬طعامهم‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬مما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬التفاف‭ ‬الناس‭ ‬حولهم‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬المواطنون‭ ‬يدلون‭ ‬بمعلومات‭ ‬أمنية‭ ‬عن‭ ‬مخابئ‭ ‬الإرهابيين‭.” ‬
أما‭ ‬قصة‭ ‬استشهاد‭ ‬ياسر‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬رفاقه‭ ‬فهي‭ ‬قصّة‭ ‬تُدمي‭ ‬القلوب‭ ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬كمين‭ ‬على‭ ‬مفرزة‭ ‬كورنيت،‭ ‬واجبه‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬تحركات‭ ‬داعش‭ ‬واصطياد‭ ‬مفخخاتهم‭ ‬قبل‭ ‬ضرب‭ ‬قواتنا‭ ‬المتقدمة‭. ‬وقد‭ ‬دمرت‭ ‬المفرزة‭ ‬عدة‭ ‬مفخخات‭ ‬لداعش‭ ‬وسيارات‭ ‬نقل‭ ‬الإرهابيين‭. ‬وتم‭ ‬تعرض‭ ‬البيت‭ ‬لقصف‭ ‬العدو‭. ‬كان‭ ‬ياسر‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬المجاور‭ ‬أثناء‭ ‬الضربة،‭ ‬لكنه‭ ‬هرع‭ ‬لإسعاف‭ ‬الجرحى‭ ‬ومعرفة‭ ‬الخسائر‭. ‬كان‭ ‬باستطاعته‭ ‬إرسال‭ ‬أحد‭ ‬الجنود،‭ ‬لكنه‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬موقف‭ ‬دقيق‭ ‬للقيادة‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬مقاتلية،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬الذهاب‭ ‬بنفسه‭.‬
وأثناء‭ ‬وجوده‭ ‬داخل‭ ‬المكان،‭ ‬تعرض‭ ‬المنزل‭ ‬إلى‭ ‬ضربة‭ ‬ثانية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬استشهاده‭. ‬التحق‭ ‬ياسر‭ ‬بكوكبة‭ ‬الشهداء‭ ‬وترك‭ ‬خلفه‭ ‬قصص‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬بطولات‭ ‬ومواقف‭ ‬رجولة‭ ‬وذكريات‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬والمدرسة‭ ‬وبهو‭ ‬الضباط‭ ‬والمناطق‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬تحريرها‭ ‬وفي‭ ‬نظرات‭ ‬النازحين‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬بهذا‭ ‬الشاب‭ ‬الأسمر‭ ‬الأمان‭ ‬والطيبة‭ ‬الجنوبية‭. ‬

التعليقات مغلقة.