مكافحة الإرهاب بالمعلومات

الكوارث، الطبيعية ومن صنع الإنسان، موضوع تدريب متعدد الجنسيات

المقالة والصور لأسرة يونيباث

مشاركون يتشاورون في مركز العمليات أثناء تدريب التعاون الإقليمي 13 بمدينة غارميش - بارتنكريشن بألمانيا.
مشاركون يتشاورون في مركز العمليات أثناء تدريب التعاون الإقليمي 13 بمدينة غارميش – بارتنكريشن بألمانيا.

وكأن حكومة كازاخستان لم يكن لديها ما يكفي من العمل لرعاية مئات الآلاف من ضحايا الزلزال والفيضانات، حينما بدأت جماعة إرهابية غامضة بتفجير مصانع كيماوية وقطارات، واختطاف قوافل الإغاثة، ونشر معلومات مضللة بين سكان يعانون أصلاً من وطأة المحنة.

بالنسبة لكثير من ضباط كازاخستان، وقرغيزستان، وأفغانستان وطاجيكستان الذين يديرون مركزاً للتنسيق الإقليمي للإشراف على الاستجابة للكوارث، كان المحفز الرئيسي لهم استدعاء أفضل القوات وإزالة الخطر المادي الذي تشكله جماعة تطلق على نفسها اسم لواء التوحيد الآسيوي.

غير أن منظمي تدريب التعاون الإقليمي 2013، وهو تدريب عسكري سنوي تجريه القيادة المركزية الأمريكية وأجري هذه المرة في مدينة غارميش- بارتنكيرشن بألمانيا، تعمدوا ترك المتدربين بدون إذن للاشتباك مع الإرهابيين في معركة. وإذا اضطروا للرد على لواء التوحيد الأسيوي، لكان عليهم أن يفعلوا ذلك بحملات رسائل عبر التلفزيون، والإذاعة وأجهزة الكمبيوتر والمنشورات المطبوعة.

وكان تدريب التعاون الإقليمي 13 بمثابة المرة الأولى منذ 10 سنوات التي يشكل فيها منظمو التدريب فريقاً لعمليات المعلومات لمواجهة الدعاية الإرهابية المضللة عبر سيناريوهات افتراضية. (تركزت التدريبات التسعة السابقة في معظمها على المساعدة الإنسانية والإغاثة من الكوارث). وباعتبارها تدريباً عسكرياً، فإن العمليات المضادة للدعايات المضللة متطورة جيداً في بعض دول آسيا الوسطى وأقل تطوراً في دول أخرى. ولكن مثل هذه التكتيكات الإعلامية أصبحت جوهرية بشكل متزايد لهزيمة العدو.

قال العقيد سيدولو دودوخونوف، وهو ضابط طاجيكي كبير يحضر التدريباً بمساعدة أجهزة الحاسب الآلي، “إننا نتعلم في التدريب كيف نتعامل مع القضايا التي لم نعرف كيف نديرها من قبل. ومن الأمور الجيدة أن يكون لدينا في بلادنا مجموعة تتصدى للإرهابيين بدون اللجوء إلى القوة. لأن الإرهابيين مجهزون تجهيزاً جيداً هذه الأيام. ويجب علينا أن نكون مستعدين. فالإرهاب مرض القرن الواحد والعشرين. ويجب– بل ينبغي علينا– أن نتعاون لوقفه”.

استجابة منسقة
شغل التدريب ثلاثة طوابق من مبنى مركز جورج سي. مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية في الفترة من 8-18 تموز/ يوليو 2013. وجمع سوياً عشرات الضباط من كازاخستان، وطاجيكستان، وجمهورية قرغيزستان، وأفغانستان والولايات المتحدة. وقام متخصصون في اللغات الإنجليزية، والروسية والدارية بتوفير ترجمات فورية لدمج الوحدات المتعددة الجنسيات. وظهرت الخرائط، والتقاريرالاستخباراتية، والكتيبات التعليمية بجميع اللغات الثلاث.

تولت كازاخستان القيادة، فوفرت كبار الضباط العسكريين لقيادة الخلايا في مركز التنسيق الإقليمي الذي أقيم في أعقاب زلزال افتراضي بقوة 8 ريختر في عاصمتها الافتراضية “ألمالي”. وإضافة إلى فريق الرد على الدعايات المضللة، اشتمل تدريب التعاون الإقليمي 13 على خلايا لتخطيط وتنسيق عمليات الإغاثة من الكوارث، وجمع معلومات استخباراتية والقيام بشؤون عامة. ورأس هذا المجهود فريق تنفيذي يضم أعلى الضباط رتبة من الدول المشاركة في التدريب.

كان الزلزال الذي صاحبته انهيارات أرضية، وانهيارات السد، الكارثة المبدئية التي حرّكت التدريب، وأسفرت عن مقتل وإصابة 200,000 شخص. قام مراقبو التدريب بتضخيم الفوضى بحيث لا تستطيع أي دولة التصدي لها بمفردها، مما أجبر كازاخستان على الاعتماد في إغاثتها على الدول المجاورة والمنظمات الدولية.

تم إرسال طلبات للتبرع بالدم، والأدوية، والبطانيات، والمياه النقية، وفرق البحث والانقاذ ومعدات إزاحة التربة إلى كل من أفغانستان، وطاجيكستان، وجمهورية قرغيزستان، وحلف شمال الأطلسي، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقامت الولايات المتحدة بإصلاح جهاز الرادار في مطار ألمالي الدولي حتى يمكن وصول الإمدادات من نقاط تجميع مثل قاعدة ماناس الجوية في جمهورية قرغيزستان.

مكافحة الإرهاب بدون بنادق
ولكن بينما كان مركز التنسيق الإقليمي يحاول السيطرة على الإصابات الأولية، وقعت كارثة أخرى. فقد أشعلت سيارة مفخخة مصنع “زارات” للنشادر، مما أدى إلى انطلاق سحابة ضخمة على مساحة 35 كيلومتراً مربعاً فقتلت 11,600 شخص ودفعت لإجلاء 164,000 شخص.

فريق عمليات معلومات متعدد الجنسيات من آسيا الوسطى يسجّل بالفيديو نصاً مضاداً للدعايات المضللة لمكافحة المعلومات الإرهابية المضللة أثناء تدريب التعاون الإقليمي 13.
فريق عمليات معلومات متعدد الجنسيات من آسيا الوسطى يسجّل بالفيديو نصاً مضاداً للدعايات المضللة لمكافحة المعلومات الإرهابية المضللة أثناء تدريب التعاون الإقليمي 13.

أشارت معلومات الاستخبارات الواردة إلى مركز التنسيق الإقليمي إلى أن جنوداً أفغان اكتشفوا مجسماً مصغراً للمصنع الكيماوي في معسكر لجماعة لواء التوحيد الآسيوي في أفغانستان. واكتشف حرس الحدود القرغيزستاني أسلحة تم تهريبها مع إمدادات الإغاثة في

طريقها إلى كازاخستان. وقام قراصنة الإنترنت بتعطيل المواقع التي تجمع تبرعات لضحايا الزلزال. أغارت الشرطة الكازاخستانية على ما بدا أنه مصنع للعبوات الناسفة المرتجلة.

كانت النتيجة الحتمية من ذلك: أن جماعة لواء التوحيد الآسيوي أثارت الاضطرابات في محاولة لإضعاف الحكومة الكازاخستانية.

قال العقيد الكازاخستاني بافل كوفالينكو مفسراً ذلك، “لقد تعرضت المدينة لدمار واسع النطاق، وهناك من يستغل الظروف. إنهم يحاولون زعزعة الوضع لإظهار فشل الحكومة في تنفيذ واجباتها. وهم ضالعون في عمليات دعائية مضللة وينظمون أعمالاً إرهابية ويثيرون الخوف بين الناس”.

انطلق فريق عمليات المعلومات إلى العمل. ورغم أن لواء التوحيد الآسيوي نفى مسؤوليته عن الانفجار الكيماوي، فإن وكالات الأنباء الدولية حمّلت الإرهابيين مسؤولية الهجوم. أمهل المقدم الكازاخستاني أباي عبد الله ييف قائد فريق المعلومات، خليته ساعتين ونصف لتعود إليه بتقرير يتضمن اقتراحات حول كيفية الرد على دعاية لواء التوحيد الآسيوي المضللة التي زعمت أن الحكومة الكازاخستانية “لا تزال تجلب الفوضى واليأس للشعب”.

قام المقدم عبد الله ييف بتفويض المسؤوليات وتوزيعها على الدول. يعمل الأفغان كمحللي استخبارات للدعايات المضللة. ويركز الطاجيك على الإنتاج الصوتي-المرئي، ويضع الكازاخستانيون خطة إعلامية لمكافحة الإرهابيين.

“نحن بحاجة للإعداد لهجوم معلوماتي. ولدينا الكثير من العمل لقيام به”، قال المقدم عبد الله ييف هذه العبارة باللغة الروسية، وتمت ترجمتها على الفور إلى الإنجليزية والدارية.

فوائد التدريب
قال العقيد الكازاخستاني كانات أزتانوف، كبير مخططي تدريب التعاون الإقليمي 13، إن سنوات من المشاركة في التدريب منحت الضباط خبرة على أرض الواقع في التعامل مع ائتلاف متعدد الجنسيات من الجنود والمدنيين. ودعا الدول الأخرى إلى الانضمام إلى التدريب في المستقبل.

قال العقيد أزتانوف، “سيكون أمراً إيجابياً حقاً لو شاركت مزيد من الدول. لأن ذلك سيبنىالثقة بين الدول. فالكوارث يمكن أيضاً أن تحدث في دول أخرى – وليس فقط في كازاخستان”.

وبعد أن حضر العديد من تدريبات التعاون الإقليمي على مدى سنوات، أشار اللواء جالندر شاه بهنام، كبير ممثلي أفغانستان في تدريب 2013، إلى أن مستوى الاتقان آخذ في النمو.

قال اللواء بهنام، “يحقق التدريب فائدتين: الأولى وطنية والثانية إقليمية. فهو يساعدنا على التنسيق مع الدول المجاورة للتعامل مع الاتجار بالبشر، ومكافحة المخدرات، ومكافحة الإرهاب وقضايا الحدود التي قد تكون لدينا”.

قام اللواء روبرت كاتالانوتي، مدير التدريبات والتمرينات بالقيادة المركزية الأمريكية، بجولة لمركز التدريب بعد عدة أيام من بدء تدريب التعاون الإقليمي 13. ، قال اللواء كاتالانوتي للمشاركين أن هذا التعاون هو المحرّك الذي يحافظ على خطوط الاتصال مفتوحة حتى حينما تضعف العلاقات السياسية.

وأضاف اللواء كاتالانوتي، “إن الاتصالات العسكرية – العسكرية في أنحاء العالم بين الولايات المتحدة وآسيا الوسطى هي الأفضل من أي وقت مضى”.

مواجهة الدعايات المضللة
مع تقدم سير التدريبات، أصبح لوحدات الاستخبارات ومواجهة الدعايات المضللة قبضة أفضل على الإرهابيين الذين كانو يستغلون الكارثة الطبيعية في نشر مزيد من التشوش.

تم بث نشرات إخبارية واقعية المظهر باللغة الروسية في مركز التدريب اشتملت على تقارير حية للمراسلين، وصور بيانية للهجوم بالقنابل على المصنع الكيماوي، وعمال الطوارئ في أزيائهم الصفراء الواقية من المواد الخطرة.

ولم يمض وقت طويل إلا ووصلت رسالة تقشعر لها الأبدان. فقد انفجر قطار– يُفترض أنه من عمل لواء التوحيد الآسيوي– معرّضا 50,000 شخص لموجة من غاز الكلور.

ورغم أنه لا يزال ينفق معظم طاقته في التخفيف عن الجرحى والمشردين، أنتج مركز التعاون الإقليمي شرائح فوتوغرافية تحدد قيادة لواء التوحيد الآسيوي، واقتفى أثر مصادر تمويل الجماعة.

أدرك المحللون الأفغان في فريق عمليات المعلومات أن التجنيد الإرهابي يركز على سكان منطقة الكارثة وشبابها المستضعفين. أما الشابات اللاتي تم استدراجهن للانضمام إلى الجماعة مع وعد بالعمل الشريف، فيجري إجبارهن على الاسترقاق الجنسي. ونشر الإرهابيون رسائلهم باستخدام طائفة متنوعة من المنافذ، من بينها موقع لواء التوحيد الآسيوي على شبكة الإنترنت، ورسائل الهاتف المحمول، والمنشورات.

صدر أمر لفريق المعلومات بالرد. وباستخدام نص باللغة الروسية، قام الفريق بتسجيل فيديو مضاد للدعايات المضللة طمأن فيه متحدث باسم الحكومة السكان.

ومع ذلك، صدرت تعليمات للفريق بألا يعطي جميع الدعايات الإرهابية المضللة ثقلاً متساوياً. فلم تكن كل معلومة مضللة تستحق التفنيد. عليهم أن يختاروا المعركة التي يقاتلون فيها.

قال المقدم الأمريكي مارك موري، إخصائي مكافحة الدعايات المضللة الذي ساعد في تصميم سيناريو لواء التوحيد الآسيوي، “أحياناً يكون السكوت من ذهب. أنت لا تريد إضفاء الشرعية على كل قطعة من الدعاية المضللة بالرد عليها”.

حدث ناجح
كما هو الحال دائماً مع تدريب يعمل في ظل قيود متعمدة وضعها المنظمون، أعرب المشاركون عن إحباطهم لأنهم لم يتمكنوا من عمل المزيد لإفشال لواء التوحيد الآسيوي، ولم يستطيعوا إصدار أوامر لحشد القوات لمواجهة الإرهابيين.

غير أن المنظمين أشاروا إلى أن المقصود بأهداف التدريب – التي هي قبل كل شيء، إنقاذ أرواح ضحايا الكارثة – هو زيادة قدرات قوات قد لا تكون مرتاحة دائماً للعمل مع نظرائها الأجانب.

ويتوقع المخططون دوراً أكبر في تدريبات المستقبل لمكافحة الإرهاب ومواجهة الدعايات المضللة، بما في ذلك المجال المتنامي للأمن الإلكتروني.

قال العقيد الكازاخستاني أزانتوف، “إنه من المهم حقاً إدراج الإرهاب في السيناريو. إنه حقيقة من حقائق الحياة في منطقتنا ويسبب عدم الاستقرار.” وأضاف أزانتوف، “إن إدراج أعمال إرهابية في التدريب يجعلنا أقرب إلى واقع الحياة”.

Comments are closed.