استقرار الأقاليم القبلية By Unipath On Feb 1, 2018 Share الجيش الباكستاني يحارب الإرهاب المتطرف قرب الحدود الأفغانية عميد بحري متقاعد بيرفايز أصغر، البحرية الباكستانية أُنشئِت المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان عام 1849 لتكون حاجزًا بين الهند البريطانية وأفغانستان، في الوقت الذي كانت فيه أفغانستان نفسها في مرحلة ضعف بسبب الغزوات والإعانات المالية والدبلوماسية من أجل إبعاد روسيا القيصرية. وقد أدت حالة القلق التي شعرت بها الهند البريطانية حيال الطموحات الإقليمية لروسيا إلى اعترافها بإمارة أفغانستان إضافة إلى الاعتراف الرسمي بالحد الفاصل بينهما المعروف باسم “خط ديورند” الذي رسمه الدبلوماسي البريطاني السير “مارتيمور ديورند” والأمير الأفغاني عبدالرحمن خان. أدت معاهدة 1919، المبرمة بين أفغانستان وبريطانيا بعد الحرب البريطانية الأفغانية الثالثة التي لم تُحسم نتيجتها لأي من الطرفين، والمعروفة أيضًا باسم “معاهدة راولبندي”، إلى تشكيل بريطانيا لوحدة إدارية أخرى أطلقت عليها اسم مقاطعة الحدود الشمالية الغربية. ولتسهيل الحكم بالمنطقة، قُسِمت المناطق القبلية التي اشتملت أيضًا على الولايتين الأميريتين دير وسوات إلى وكالات سياسية يقوم بإدارة كل منها مندوب سياسي يمارس سلطته عن طريق قادة محليين (أو ملوك) يجرى اختيارهم على أساس مدى ولائهم للإمبراطورية البريطانية. وبينما كان هناك احترام ظاهري للعرف البشتوني عن طريق السماح بالمحاكمات على أيدي جيرغا (هيئة من الأعيان المحليين)، تم تطبيق قانون لائحة الجرائم الحدوديّة بصورة وحشية، ويسمح القانون بالعقاب الجماعي على نطاق واسع، وذلك بهدف القضاء نهائيًا على أي إشارة من إشارات التمرد مهما كانت. وهكذا استمر الحال حتى نالت باكستان استقلالها عن الحكم البريطاني، وباستثناء انسحاب جنود الجيش الباكستاني النظاميين من الوكالات القبائلية، لم يحدث أي تغيير جوهري فيما يتعلق بالحكم. حيث سيطر كل مندوب سياسي معيَّن من قبل الحكومة المركزية على قوة خاصة تتكون من نحو 2000 إلى 3000 خاسادرا (أفراد الشرطة المحلية) وجندي غير نظامي لتنفيذ أوامره، في الوقت الذي كانت فيه الحدود مراقبة من قبل فيلق الحدود برئاسة ضباط الجيش. جندي باكستاني يحرس استاد القذافي للكريكت في لاهور.وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي اميدجز ويُشار إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية بالعامية باسم “ilaqa ghair” باللغة الأردية (وتعني الإقليم الأجنبي) وهي صورة محلية من “الغرب المتوحش” في أمريكا. وبما أن قانون الأحزاب السياسية لم يمتد تطبيقه قط إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، فإن كبار الشخصيات القبلية عادة ما يتم انتخابهم للبرلمان كأشخاص مستقلين يبيعون ولاءهم لصاحب العطاء الأفضل. وقد أُطلِق العنان لرجال القبائل الأحرار الذين اعتمد أسلوب حياتهم على حمل السلاح، فلجأوا إلى تهريب البضائع واختطاف المركبات واختطاف الأشخاص لطلب الفدية في البر الباكستاني الرئيسي حتى أصبح ذلك وسيلتهم لكسب قوتهم. مكافحة التطرف أدى الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 إلى دفع المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في الصفوف الأمامية لطليعة حركة المقاومة. وقد أدى التدفق الهائل للاجئين والمقاتلين الأفغان من مختلف أنحاء العالم الإسلامي إلى إنشاء عدد قياسي من المدارس التي يمولها السعوديون لتعليم المبادئ الدينية وإنشاء معسكرات للتدريب العسكري. غزا المجاهدون أفغانستان عبر حدود المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سهلة الاختراق من أجل شن هجمات. وفي المقابل استهدفت وكالة التجسس الأفغانية المشهورة “خاد” باكستان، وشنت حملات قصف موسعة على المدن الأفغانية الكبرى، ما أدى إلى انتشار الخراب بها. وبمجرد أن لجأت مختلف فصائل المجاهدين الأفغان إلى قتال بعضها البعض من أجل الحق في الحكم بعد الانسحاب الأحادي للاتحاد السوفيتي في عام 1989، أيدت أربع دول وهي باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة في البداية محاولة طالبان للوصول إلى السلطة تحت ذريعة الاستقرار. وتهدف حركة طالبان، وهي مجموعة مختلفة من طلاب المدارس الدينية (ومعظمهم من يتامى الحرب)، إلى وضع البلد بأسره تحت هيمنة الأصولية الصارمة. كانت الحركة تحاول اقتحام بنجشير، المعقل الوحيد المتبقي للمقاومة، وتزامنت هذه المحاولات مع اغتيال القائد الطاجيكي الموقر أحمد شاه مسعود جراء عملية تفجير انتحارية مدبّرة قام بها تنظيم القاعدة وذلك قبل يوم أو يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعندما بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها غزو أفغانستان بحملة قصف عنيفة، أثبت التحالف الشمالي وهو اتحاد حر من العرقيات غير البشتونية استعداده التام لتوفير القوات اللازمة على الأرض. وعندما رأى باقي أفراد طالبان والقاعدة أن الأمور قد انقلبت عليهم، اضطروا إلى عبور حدود المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سهلة الاختراق. وشهدت السنوات القليلة التالية استخدام القاعدة بشكل فعال لأداتين متلازمتين هما المال وتلقين المبادئ الدينية للتمكين لحكمها على المستوى المحلي، ومن خلال تقديم وعود للشباب بشغل مناصب في السلطة مع إضعاف نفوذ شيوخ القبائل التقليديين المؤيدين للحكومة، وتصفيتهم جسديًا إن لزم الأمر. وعندما استأنفت حركة طالبان الأفغانية هجماتها على الحكومة في كابول، أقام تنظيم القاعدة علاقات أوثق بين مجموعته من المقاتلين الأجانب والمتطرفين المحليين الذين تجمعوا هناك، وفي نفس الوقت وجّه تنظيم القاعدة أنظاره إلى البر الرئيسي الباكستاني الشاسع. وضمت المنظمة التي نشأت، وهي حركة طالبان باكستان، محسود وغيره من رجال القبائل المتنوعة، وطالبان البنجابية والمقاتلين الأجانب. وأحكمت حركة طالبان باكستان سيطرتها على المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وفي الوقت ذاته كثفت استهدافها للجيش ووكالات الاستخبارات والأماكن المقدسة والأهداف المدنية الأخرى. دقت أجراس الخطر عندما صار رئيس باكستان ورئيس الوزراء وقائد أحد الفيالق أهدافًا لمحاولات اغتيال وبدأت حركة طالبان باكستان في بسط قوتها العسكرية والأيديولوجية خارج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية لتصل إلى ولاية سوات والمناطق المتاخمة الأخرى. فشل أسلوب التهدئة، وبعد انخداع الجيش الباكستاني بمعاهدات السلام مرارًا وتكرارًا، تحرك لدحر المعتدين، مدمرًا كل جبهة على حدة، إلى أن فرض سيطرته على معظم المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، باستثناء وزيرستان الشمالية ومقاطعة خيبر الصغرى. دفع الهجوم السافر على مطار كراتشي الدولي في منتصف عام 2014 الجيش أخيرًا إلى شن هجوم على شمال وزيرستان، وهو الأمر الذي كانت الولايات المتحدة تحث عليه لفترة من الزمن. فقد أصبح شمال وزيرستان على مر السنين معقلاً حصينًا لتنظيم القاعدة، وجاذبًا للإرهابيين من مختلف الأطياف. اعتبرت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) مجموعة حقاني هي الأصعب من بين هؤلاء الإرهابيين. ووجد الجيش نفسه مضطرًا إلى الإشراف على فرار المدنيين من منطقة القتال ناهيك عما واجهه من تضاريس وعرة ومعارضة متمترسة. استغرق الأمر ما يقرب من عامين ولقي 800 شخص مصرعهم قبل أن تحقق عملية “ضرب عضب”، كما أُطِلق عليها، نجاحها في إزاحة المتطرفين الذين شرعوا بعد ذلك في ترسيخ وجودهم عبر الحدود في مقاطعات كونار وخوست ونورستان الأفغانية. ودفعت المذبحة الوحشية التي تمت بدم بارد وطالت أكثر من 150 طالبًا من طلاب إحدى المدارس الحكومية في بيشاور في كانون الأول / ديسمبر 2014 ورد الفعل الغاضب الذي أثارته تلك المذبحة إلى إعداد المسؤولين -على وجه السرعة- لخطة عمل وطنية من 20 بندًا في محاولة يائسة لوقف موجة التطرف والعنف. تضمنت هذه الخطة -بالإضافة إلى العمليات العسكرية الجارية- تدابير وقائية مختلفة مثل قمع خطاب الكراهية وكتاباته ومنع تمويل التنظيمات المحظورة. واجه الجيش موجة جديدة من الهجمات على أنحاء مختلفة من البلاد ومن ثم واصل عملية أخرى واسعة النطاق تعتمد على جهاز الاستخبارات تسمى ”رد الفساد”، وتهدف إلى إجهاض الهجمات من خلال تخليص البلاد من الخلايا النائمة. والآن وبعد أن قامت قوات الأمن الباكستانية بفرض سيطرتها على معظم المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، تستمر الجهود المبذولة لإعادة الحياة لطبيعتها لرجال القبائل الذين شردتهم العملية العسكرية والذين يتم إعادة توطينهم في الفترة الحالية. وقد تعرضت الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم لضربة موجعة بما في ذلك تخصيص حوالي 900 مدرسة للبنات في شمال وزيرستان لأغراض أخرى غير التعليم. إيجاد الحلول ألهم نجاح الجيش الباكستاني في إنعاش قطاعات الصحة والتعليم والزراعة منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية الدولية للانخراط في مجالات كانت خارجة عن حدودهم في الآونة الأخيرة. يعتمد اقتصاد المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية على زراعة الكفاف وتربية المواشي كما أن ثروة التعدين الكبيرة التي تتمتع بها غير مستغلة كليًا حتى الآن. كما ساعد مشروع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الذي استغرق عامين وتم الانتهاء منه مؤخرًا في دعم ما يقرب من 21,192 مزارعًا في مقاطعتي كورام وخيبر، على الرغم من أن تقديم المساعدة في المناطق النائية والصخرية والجبلية في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية قد ثبت أنه أكثر صعوبة. وقد أُنشئت السدود الصغيرة في عدة أماكن لتوفير الكهرباء والمياه للري. ونظرًا لصراخات باكستان وأفغانستان العالية وشكواهما في الوقت الحالي من الهجمات العابرة للحدود، فإن الحل الواضح يكمن في إنشاء آلية مشتركة لمراقبة الحدود التي يسهل اختراقها لأقصى حد. وبالرغم من أن هذه الآلية يسهل طرحها لكن يصعب تطبيقها، لأن أفغانستان لم تقر “خط ديورند” الحدودي باعتباره خطـًا حدوديًا دوليًا حتى الآن. بدأت المشكلة عندما كانت الهند البريطانية تستعد لنقل السلطة إلى باكستان المستقلة حديثًا آنذاك، وانتهزت أفغانستان هذه الفرصة للاستيلاء على الأراضي الشاسعة التي كانت تسيطر عليها قبل قرون. وفي 30 حزيران/ يونيو من عام 1950، أكدت الحكومة البريطانية رسميًا أن باكستان ورثت – بموجب القانون الدولي- حقوق وواجبات الحكومة القديمة في الهند في المناطق الواقعة جنوب شرق “خط ديورند”. وكان من المفترض أن يؤدي هذا الأمر إلى تهدئة الوضع، ولكن المشكلة لا تزال تؤجج التوتر بين العلاقات الثنائية حتى يومنا هذا. ومن منظور قانوني بحت، أيدت اتفاقية فيينا لعام 1978 بشأن خلافة الدول في المعاهدات، أنه بموجب المبدأ المعترف به عالميًا من حيث مبدأ الحيازة الجارية، أن الاتفاقات الثنائية الملزمة تنتقل إلى الدول الخلفاء. وبالنظر إلى المقاومة الأفغانية بشأن هذه المشكلة، فلا عجب أن تكون باكستان مهووسة جدًا بتولي قيادة أفغانستان – إلى حد دعم قلب الدين حكمتيار وطالبان. ومنذ 11 أيلول / سبتمبر، اتُهمت باكستان بدعم جماعة حقاني التي تعد أكثر عناصر حركة طالبان الأفغانية دموية. ومن الواضح أن التدابير الفاترة لن تجدي نفعًا. فالعداوة والتلاسن لا يخدمان أي غرض، وقد مضى على ذلك وقت طويل بما يكفي. ويجب على الجميع أن يدركوا أن “خط ديورند”، على الرغم من عيوبه، هو الحد الوحيد المرسوم قانونيًا بين الأراضي التي تمثل باكستان وأفغانستان في الوقت الحاضر. وقد ناءت باكستان بنفسها بصورة تقليدية عن مسائل إدارة الحدود خشية الإساءة إلى جارتها. وعززت باكستان أمن الحدود ومراقبتها، بعد أن تعرضت مرارًا لهجمات من المتطرفين الذين يعيشون عبر الحدود. وتمثلت الخطوة الأولى في قيام باكستان بحفر خنادق على طول 1100 كيلومتر من الحدود المنخفضة. وتجاهلت باكستان الاعتراضات الأفغانية حيث تحركت لوقف عمليات العبور غير القانونية على الحدود غير الخاضعة للرقابة من خلال البدء في بناء ما يصل إلى 443 نقطة أمنية، وهي مهمة من المتوقع أن تكتمل بحلول عام 2019. كما تم إنشاء نظام التأشيرات لأول مرة لتسهيل السفر المصرح به فقط من خلال عدد ضئيل من محطات محددة لعبور الحدود. ولزيادة تنظيم حركة الأفراد ووقف التسلل غير المشروع، بدأت باكستان مؤخرًا في تسييج الحدود المضطربة، حيث ركزت مرحلتها الأولية على مقاطعات ذات أولوية عليا مثل باجور ومهماند وخيبر. كما حان الوقت لباكستان لدمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في الاتجاه العام، من خلال خلق هوية باكستانية متميزة بين رجال القبائل على جانبها من الحدود. ويجب أن يتضمن أي حل كامل لمشكلة المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية خطة إنمائية طويلة الأجل لتقليص الفجوة الاجتماعية الاقتصادية مع “المناطق المستقرة” المجاورة. بيد أنه يلزم القيام بذلك في ضوء الحكم الديموقراطي والإداري الرشيد. ويبدو أن توافق الآراء يؤيد الاندماج المؤقت للمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية مع مقاطعة خیبر بختونخوا، المعروفة باسمها القديم المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية. وقد اقترح نواب البرلمان عن المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية مشروع قانون لتعديل الدستور لإزالة أكبر عقبة أمام الاندماج، في الوقت الذي صوتت الجمعية الإقليمية له بالفعل. وباتت النفعية السياسية هي العائق الوحيد المتبقي. وفي الوقت الذي تتخلى فيه الحكومة عن قانون لائحة الجرائم الحدودية الاستعماري القمعي، ما زالت تميل إلى استرضاء الملوك القبليين من خلال الإبقاء على نظام جيرغا التقليدي لتصريف الأمور القضائية. ويجب أن يكون هذا الأمر متوافقًا مع الهيكل القضائي الباكستاني المتوقع توسيع نطاقه ليشمل المنطقة بالكامل. وعلى عكس المفاهيم الشائعة، فإن رجال القبائل في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية ليسوا منعزلين ولا انعزاليين. ولم يترددوا أبدًا في الانتقال إلى مختلف أنحاء البلاد، بل وحتى في الخارج بحثًا عن فرص العمل. وقد أظهروا مهارات كبيرة في مجال تنظيم المشاريع والهيمنة على قطاع النقل بالشاحنات الطويلة. ويمكن صقل قدراتهم ورعايتهم في ضوء نظام ديمقراطي فعال. لا ينبغي تضييق الخناق على العلاقات العائلية والقبلية التي طال أمدها بين القبائل المتاخمة للحدود من خلال حدود محكمة الإغلاق، بل ينبغي تنميتها من خلال المشاريع الاقتصادية المشتركة. ومن المبادرات الرئيسية التي أقرتها الحكومة الأمريكية إنشاء مناطق فرص إعادة الإعمار مثل المناطق القائمة على طول الحدود الأردنية الإسرائيلية والحدود المصرية الإسرائيلية وحتى الحدود الأمريكية المكسيكية. بالإضافة إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، تحتاج المناطق المهملة الأخرى في الجنوب أيضا إلى دمجها في الاتجاه العام إذا أريد احتواء التطرف العنيف. وفي هذه المنطقة المضطربة، كما هو الحال في أماكن أخرى، يرتبط السلام والازدهار ارتباطـًا معقدًا. يجب أن يدرك الناس أن ذلك لا يمكن أن يتحقق عاجلاً غير آجل إلا بالتكاتف والتعاون. ”إنهاء النزاع” أحدث استراتيجية باكستانية لمكافحة الإرهاب تتماشى مع التهديدات الجديدة أسرة يونيباث بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي صدمت البلاد — بما في ذلك التفجير الانتحاري الذي راح ضحيته 86 شخصًا في ضريح صوفي مليء بالمريدين — أعلن الجيش الباكستاني في فبراير/ شباط 2017 بدء عملية عسكرية وطنية للقضاء على خطر الإرهاب “بصورةٍ عشوائية”. وتمثل الحملة الجديدة التي تأتي تحت عنوان “رَدُّ الفَسَاد” تحولًا في إستراتيجيات قوات مكافحة الإرهاب في باكستان، التي ركزت جهودها على مدار عقد على المنطقة القبلية الشمالية الغربية ذات التنوع العرقي. وللمرة الأولى، ترسل الحكومة القوات المسلحة للدخول إلى إقليم بنجاب. بنجاب هي موطن مجموعة متنوعة من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك الحركات الطائفية المحظورة رسميًا لاستخدامها أساليب العنف كما أنها موطن متطرفين مناهضين للهند اتهموا بالقيام بحصار مومباي الإرهابي عام 2008. على الرغم من أنه لا يبدو أن أيًا من هذه الجماعات تورطت بشكلٍ مباشر في الانفجارات، إلا أنها ينظر إليها بصورةٍ متزايدة في باكستان على أنها جزء من تهديد كبير ومشترك من جانب المتطرفين لاستقرار باكستان، ومكانتها العالمية، ونظامها الديمقراطي. وفي سياق متصل، صرّح فريق متقاعد في جيش باكستان قائلاً: “هناك مسلحين متشددين لم يسبق استهدافهم في بنجاب، وبالتحديد في بنجاب الجنوبية”. ويقول أمجد شعيب، أحد المحللين المعنيين بشؤون الدفاع: “سيتم في هذه المرة النيل منهم، وسيساعد هذا كثيرًا في القضاء على الإرهاب ليس فقط في بنجاب ولكن في أجزاء أخرى من البلاد”. وفي مقابلة صحفية أُجريت معه في فبراير/ شباط 2017 أوضح اللواء جون نيكولسون، قائد القوات الأمريكية، أن بنجاب تأوي 20 مجموعة من أصل 98 مجموعة وضعتها الحكومة الأمريكية على قوائم المنظمات الإرهابية – قائلاً “إنها أكبر معقل للإرهاب في العالم”. وفي سياق متصل، أوضح اللواء نيكولسون أنه نظرًا لأن هذه المجموعات تتمترس في “محيط” مشترك به العديد من الشباب العاطلين وتنتشر به الأعمال الإجرامية وتُنشر التعاليم المتطرفة في بعض المدارس الدينية — “فإنها تهيئ أرضًا خصبة لالتقاء سلالات الإرهاب المختلفة وتجنيدهم ثم تحويلهم إلى سلالات أكثر شراسة وخطورة”. وبالفعل، نتج عن الحملة الجديدة مئات من عمليات التفتيش في مختلف مناطق بنجاب، مثل كارور ولايه وراولبندي، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 600 مشتبه به وقتل العديد من الإرهابيين. ووفقًا لما أفادت به مجلة هلال”Hilal”، تمكن الجيش من استعادة سيطرته على الدعاية المتطرفة والأسلحة وأنشأ نقاط تفتيش و”استهدف بفاعلية” معاقل الإرهابيين. وبعد اجتماع الحكومة برئيس أركان الجيش اللواء قمر جاويد باجوا وكذلك بكبار المسؤولين في إقليم بنجاب، وافقت الحكومة على السماح للجيش بدخول الإقليم. وذكر مسؤولون بالجيش أنه من المقرر أن تشمل العملية الجديدة إرسال 2,000 فرد من قوات الرينجرز إلى بنجاب في مدة تتراوح ما بين 60 إلى 90 يومًا. وأفاد المسؤولون بأنه على النقيض من العمليات السابقة التي تم القيام بها في أجزاء أخرى من باكستان والتي استخدمت القوة بشكلٍ رئيسي لطرد أو قتل العدو، فإن هذه العملية تشمل في الأغلب جمع المعلومات الاستخباراتية. وتشمل مهمتها أيضًا “نزع الأسلحة” من الجماعات المتطرفة، ما قد يستلزم الدخول في مواجهات في المجمعات المسلحة بكثافة. وقد لاقى إعلان الجيش تأييدًا واسع النطاق. وكتب محررو صحيفة إكسبرس تريبيون أنهم “يؤيدون القرار بكل قوة”، وحفزوا الجنود على التخلص من تلك “البؤر” المتطرفة التي تقدم الدعم والمساندة للجماعات المتطرفة الأخرى وتمثل مراكز للتخطيط والخدمات اللوجستية للأعمال الإرهابية في البلاد. وحسب صحيفة تريبيون، فإن التغيير في الإستراتيجية يأتي في أعقاب عمليات مثل عملية “ضرب عضب”، التي خفضت نسبة الإرهاب في باكستان إلى أقل من 65% على مدار الستة عشر عامًا الأخيرة. وعلى الرغم من أن هجمات فبراير/ شباط 2017 أثبتت أن خطر العنف لا يزال يلوح في الأفق، إلا أن اللواء آصف غفور، مدير عام العلاقات العامة للخدمات الداخلية للقوات المسلحة الباكستانية أكد أن الحملات السابقة حققت أهدافها. وصرّح قائلاً: “استهدفت العمليات السابقة بشكلٍ أساسي استعادة سلطة الدولة في مناطق مختلفة والقضاء على معاقل الإرهابيين”. وأردف: “وتستهدف عملية “رَدُّ الفَسَاد” تعزيز مكاسب هذه العمليات السابقة”. وأوضح المقدم شيد عابد، المدير المساعد للتدريب في مراكز قيادة الجيش الباكستاني، أنه من الضروري لنجاح عملية “رَدُّ الفَسَاد” جمع المعلومات الاستخباراتية في المناطق الحضرية. وأضاف المقدم عابد، الذي قاد فريقًـًا متعدد الجنسيات في مناورات “الأسد المتأهب” في الأردن في مايو 2017 قائلًا: “إنكم بحاجةٍ إلى الاستعانة بأشخاص على مستوى القاعدة الشعبية لتقديم معلومات عن المجرمين في المنطقة”. المصادر: Jane’s 360 IHS، واشنطون بوست، هلال، ذي إكسبرس تريبيون Share
Comments are closed.