أنواع جديدة من الصراع

تهديد‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬لقدرات‭ ‬الجيوش‭ ‬الحديثة

اللواء‭ ‬أسكات‭ ‬إن‭. ‬ريسباييف
رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني،‭ ‬كازاخستان‭ ‬
الصور‭ ‬من‭ ‬رويترز
يتسم‭ ‬الوضع‭ ‬الدولي‭ ‬بتعقيد‭ ‬وتوتر‭ ‬بالغين‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬التناقضات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬والجماعات‭ ‬العرقية،‭ ‬والدينية،‭ ‬والسياسية،‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وغيرها،‭ ‬مما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬المختلفة‭.‬
رغم‭ ‬رغبة‭ ‬العالم‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الصراعات‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬تظل‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬إحدى‭ ‬الأدوات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭. ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬دراسة‭ ‬متعمقة‭ ‬لأسباب‭ ‬الصراعات‭ ‬العسكرية‭ ‬وطبيعتها‭.‬
أولا،‭ ‬دعونا‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭. ‬وفقاً‭ ‬للتعريفات‭ ‬المقبولة‭ ‬عالمياً‭ ‬وفي‭ ‬كازاخستان،‭ ‬فإن‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬هي‭ ‬مفهوم‭ ‬مُوحِد‭ ‬ومُتًكامل،‭ ‬وهي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬معينة‭.‬
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬غيرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التوجهات‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراعات‭ ‬العسكرية‭. ‬يسعى‭ ‬المعتدون‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحهم‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجبار‭ ‬خصومهم‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬أهدافهم‭ ‬باستخدام‭ ‬الأساليب‭ ‬التقليدية‭ ‬وغير‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحرب‭ ‬المحضة‭.‬
إن‭ ‬تطوير‭ ‬وسائل‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬محتوى‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬وعلى‭ ‬طبيعة‭ ‬النزاعات‭. ‬ويكتسب‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬باستخدام‭ ‬أحدث‭ ‬الوسائل‭ ‬التقليدية‭ ‬وغير‭ ‬التقليدية‭ ‬سمات‭ ‬جديدة‭.‬
قوات من كازاخستان تؤمن نقطة تفتيش خلال تمرين عقاب السهوب.
نسمع‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مصطلحات‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ “‬الحروب‭ ‬الهجينة‭” ‬و‭ “‬الخصم‭ ‬السحابي‭” ‬و‭ “‬الفوضى‭ ‬الخاضعة‭ ‬للسيطرة‭” ‬و‭ “‬الأسلحة‭ ‬السيبرانية‭”. ‬وكان‭ ‬المصطلح‭ ‬الأكثر‭ ‬استخداماً‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هو‭ “‬الحروب‭ ‬الهجينة‭” ‬أو‭ “‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭.” ‬
وقد‭ ‬وضعت‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الحروب‭ ‬الهجينة‭ ‬والتوصيات‭ ‬بشأن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭.‬‭ ‬ويقترح‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الحرب‭. ‬إن‭ ‬جوهر‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬هو‭ ‬الاستعداد‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬باستخدام‭ ‬المكونات‭ ‬العسكرية‭ ‬وغير‭ ‬النظامية‭ ‬بمشاركة‭ ‬القطاع‭ ‬المدني‭.‬
تنطوي‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬يضطلع‭ ‬فيه‭ ‬الجيش‭ ‬بدور‭ ‬صغير‭ ‬نسبياً‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الوسائل‭ ‬الرئيسية‭ ‬لإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالعدو‭ ‬هي‭ ‬سياسية‭ ‬وإعلامية‭ / ‬نفسية‭ ‬واقتصادية‭. ‬وتمكن‭ ‬أساليبها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ – ‬فهي‭ ‬تلحق‭ ‬أضراراً‭ ‬إقليمية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬بالعدو،‭ ‬وتوقع‭ ‬البلبلة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬حكومة‭ ‬الخصم‭ ‬وتضعف‭ ‬معنويات‭ ‬المجتمع‭.‬
لا‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حرب‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكلاسيكي‭. ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬الدنمارك،‭ ‬مارتن‭ ‬ليدجارد،‭ ‬وصفاً‭ ‬واضحاً‭ ‬للحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬حيث‭ ‬قال،‭ “‬لن‭ ‬أسميها‭ ‬حرباً‭ ‬عسكرية‭ ‬بالضرورة‭. ‬إنها‭ ‬حرب‭ ‬هجينة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬دعاية‭ ‬هائلة،‭ ‬واستفزازات،‭ ‬وتحفيز‭ ‬جماعات‭ ‬داخل‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬حرباً‭ ‬ولكنها‭ ‬شيء‭ ‬معادٍ‭ ‬للغاية‭ ‬وقريب‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬حرباً‭.”‬
في‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية،‭ ‬تكون‭ ‬الوسيلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬هي‭ ‬استخدام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬النظامية،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬الأنواع‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬إحداث‭ ‬التأثيرات‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬تابعة‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬النظامية‭. ‬ولتحسين‭ ‬قدرة‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬هجينة،‭ ‬يجري‭ ‬إنشاء‭ ‬التنسيق‭ ‬الوثيق‭ ‬مع‭ ‬وزارات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وإشراك‭ ‬قوات‭ ‬الشرطة‭ ‬والدرك‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحملات‭ ‬الدعاية،‭ ‬والهجمات‭ ‬السيبرانية،‭ ‬والأعمال‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الانفصاليين‭ ‬المحليين‭.‬
ويمثل‭ ‬إجراء‭ ‬التمرينات‭ ‬للتدرب‭ ‬على‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬المختلطة‭ ‬أحد‭ ‬أولويات‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭. ‬وقد‭ ‬أنشأ‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬لاتفيا‭ ‬مركزاً‭ ‬متميزاً‭ ‬للاتصالات‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعداد‭ ‬وتنسيق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التمارين‭.‬
يشمل‭ ‬مفهوم‭ ‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الملابسات‭ ‬والنوايا‭ ‬العدائية،‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬والصراعات‭ ‬غير‭ ‬المتناظرة‭ ‬منخفضة‭ ‬الحدة،‭ ‬والإرهاب‭ ‬العالمي،‭ ‬والقرصنة،‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬القانونية،‭ ‬والفساد،‭ ‬والصراعات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية،‭ ‬وأمن‭ ‬الموارد،‭ ‬والتحديات‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬وﻣﺸﺎﻛﻞ‭ ‬العولمة،‭ ‬وإﻧﺘﺸﺎر‭ ‬أﺳﻠﺤﺔ‭ ‬اﻟﺪﻣﺎر‭ ‬اﻟﺸﺎﻣﻞ‭.‬
ويمثل‭ ‬قرار‭ ‬منظمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬القاضي‭ ‬بإنشاء‭ ‬قوة‭ ‬انتشار‭ ‬سريع‭ ‬للأسلحة‭ ‬المشتركة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬خلال‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬للقيام‭ ‬بالعمليات‭ ‬الأولية‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬لنوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحرب‭. ‬وسوف‭ ‬تشمل‭ ‬القوات‭ ‬البرية‭ ‬والجوية‭ ‬والبحرية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قوات‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة‭.‬
يشير‭ ‬التكوين‭ ‬المعقد‭ ‬لقوة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬التشكيل‭ ‬للقيام‭ ‬بمهمتين‭ ‬مختلفتين‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭. ‬تتمثل‭ ‬المهمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬العدو‭ ‬بأعمال‭ ‬التخريب‭ ‬والاستطلاع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التهديد،‭ ‬لمحاربة‭ ‬التشكلات‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬بينما‭ ‬تتمثل‭ ‬المهمة‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬أعمال‭ ‬تخريبية‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬العدو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إنشاء‭ ‬هياكل‭ ‬شبكية‭ ‬غير‭ ‬منتظمة‭ ‬تتضمن‭ ‬موارد‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭.‬
تتشكل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭ ‬وفقاً‭ ‬لخطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬محددة‭ ‬سلفاً،‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬للعدو،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سكان‭ ‬البلد‭ ‬المُستًهدف‭. ‬ويتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬القوة‭ ‬الكاملة‭ ‬للدولة‭ ‬وتقويض‭ ‬مواقف‭ ‬الحكومة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وعلى‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬
لذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الأنواع‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬التهديدات،‭ ‬فإن‭ ‬مجموعة‭ ‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭ ‬تتشكل‭ ‬بشكل‭ ‬صارم‭ ‬وفقاً‭ ‬للغرض‭ ‬المستهدف‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اختياره‭ (‬البلد‭ ‬المُستهدف‭ ‬المُحدّد‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬صيغة‭ ‬محددة‭ ‬بوضوح‭ ‬وهدف‭ ‬محدد‭ ‬سلفاً،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العملية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬
يعتمد‭ ‬التنفيذ‭ ‬الناجح‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬على‭ ‬توفر‭ ‬مصدر‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬القوات‭ ‬والمرافق‭ ‬الضرورية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭. ‬يتسبب‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬التآزري‭ ‬لاستخدام‭ ‬التهديدات‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬خطر‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للبلد‭.  ‬
يشغل‭ ‬اللواء‭ ‬أسكات‭ ‬إن‭ ‬ريسباييف‭ ‬منصب،‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬الدكتوراة،‭ ‬منصف‭ ‬رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬كازاخستان‭ ‬منذ‭ ‬2012‭. ‬وقد‭ ‬قضى‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬مسيرته‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬جيش‭ ‬بلاده‭ ‬بعد‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق‭.‬

التعليقات مغلقة.