اليمن تكافح الإرهاب
الحكومة تتبنى برامج لاستئصال الفكر المتطرف للقضاء على القاعدة وداعش
سفارة الجمهورية اليمنية في الولايات المتحدة
الإرهاب لا تعوقه أي حواجز ولا يحترم أي حدود، فهو ظاهرة تتفشى في العالم ويلزم التصدي لها، وحتى تنجح الحكومات في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، فلا بد لها أن تعتمد نهجًا شاملًا، ولا يمكن تحقيق ذلك دون إرساء الاستقرار والأمن وسيادة القانون. وتتعامل العديد من البلدان التي تواجه الإرهاب مع هذه الأصول الثلاثة الأساسية باعتبارها مسلمات عند تصميم استراتيجياتها.
كانت الجمهورية اليمنية قبل ثورة الشباب التي اندلعت في عام 2011، تمتلك كل هذه الأصول الثلاثة إلى حد ما، إلا أنها فشلت بسبب غياب الإرادة السياسية. لكن بعد عام 2012، امتلكت اليمن الإرادة السياسية إلى جانب التزام راسخ بمكافحة الإرهاب تمشيًا مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن لأي جهود لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في اليمن أن تؤتي ثمارها إلا باستعادة الدولة وإسقاط انقلاب أيلول/سبتمبر 2014.
اليمن: ضحية للإرهاب
تتصدر اليمن صفوف ملحمة مكافحة الإرهاب، وقد ظلت ضحية لهذه الظاهرة لعدة سنوات. وفي كانون الأول/ديسمبر 1998، قتلت جماعة يتزعمها أبو الحسن المحضار زعيم ما يسمى بجيش عدن أبين الإسلامي، أربعة سائحين بريطانيين واستراليين في البلاد. وكان المحضار قد تلقى الدعم من أبي حمزة المصري الذي حكم عليه في كانون الثاني/يناير 2015 بالسجن مدى الحياة بعد أن أدين من قبل هيئة محلفين فيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية في 11 تهمة إرهابية بعضها في اليمن.
وفى تشرين الأول/أكتوبر 2000، شن تنظيم القاعدة هجوما انتحاريًا على مدمرة البحرية الأمريكية يو اس اس كول في ميناء عدن مما أسفر عن مصرع 17 بحارًا أمريكيًا. وفي أعقاب هذا الهجوم، دشنت الولايات المتحدة تعاونًا أمنيًا مع جمهورية اليمن؛ إلا أن هذا التعاون في مكافحة الإرهاب لم يلق التعزيز إلا بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001. ومن دواعي الأسف أن وتيرة الإرهاب تتصاعد في اليمن منذ ذلك الحين، وقد تحمل اليمنيون الوطأة العظمى منه. وفي واحدة من أبشع الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، اقتحم الإرهابيون مستشفى عسكريًا في صنعاء في كانون الأول/ديسمبر 2013، ما أسفر عن مقتل 56 شخصًا وإصابة 215 آخرين ببنادق آلية وقنابل يدوية. وفي أيار/مايو 2012، تسبب مفجر انتحاري تابع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في مقتل أكثر من 100 متدرب شاب من قوات الأمن المركزي أثناء تدربهم على موكب العيد الوطني اليمني في صنعاء. وفي آب/أغسطس 2016، أعلنت إحدى الجهات التابعة لتنظيم داعش مسؤوليتها عن تفجير انتحاري بسيارة مفخخة ضرب مركز تجنيد للجيش في عدن أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصًا وجرح 80 آخرين. وفي کانون الأول/ديسمبر 2016، شن تنظيم داعش هجومين فصل بينهما ثمانية أيام داخل قاعدة عسكرية في عدن، مما أسفر عن مقتل 88 شخصًا وإصابة 79 آخرين.
وفي عدن وحدها خلال عام 2016، نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش 11 هجمة دموية أخرى. وفي عام 2016، في عدن والمكلا، قتل تنظيم القاعدة في شبه الجزیرة العربیة وداعش 337 من الأفراد العسکریین والأمنیین والمجندین الجدد وأصابوا 313 آخرین. وقد ظل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لعدة سنوات لا يستهدف الأفراد العسكريين والأمنيين فحسب بل استهدف أيضاً ضباط المخابرات النشطين في تعقب شبكاتهم وفضحها. وتدل هذه الهجمات على ما يتسم به تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش من وحشية وعشوائية في استهداف اليمنيين.
جهود الحكومة في مكافحة الإرهاب
أثناء فترة حكم الرئيس علي عبد الله صالح في العشر سنوات الأولى من الألفية الجديدة، كانت التدابير الحكومية المتبعة للتعامل مع هذا الأمر أمنية في أغلبها وكان الغرض منها جلب المعونات الأجنبية أكثر من مكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من أن اليمن كانت من أوائل الدول التي تبنت برامج مكافحة التطرف لمحاربة الإرهاب في مراحله المبكرة وهو الأمر الذي حظي بدعم المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة خاصة، إلا أن نظام صالح لم تكن لديه الرغبة في معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب.
ومع ذلك، نجحت الحكومة الجديدة تحت قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي رغم كل الصعاب في الفترة بين عامي 2012 و2014، في تصميم نهج شامل جديد لمكافحة الإرهاب يمكن تنفيذه بالكامل في مناطق إضافية من البلاد بعد استعادة القوات الحكومية الأراضي التي استولت عليها ميليشيات الحوثي وصالح وذلك بمساعدة ودعم التحالف العربي والمجتمع الدولي.
المحاولات المبكرة لاستئصال التطرف
في عام 2003، أطلقت اليمن أحد أول برامج مكافحة التطرف في المنطقة، برئاسة رجل الدين الإسلامي المعروف القاضي حمود الهتار رئيس المحكمة العليا اليمنية ووزير الأوقاف السابق. وترأس القاضي الهتار أيضًا لجنة الحوار المنبثقة عن البرنامج والمنوط بها تدشين برنامج يهدف إلى إشراك الإرهابيين المحتملين الذين ألقي القبض عليهم أو جرى توقيفهم. وأشار الهتار إلى أن المرحلة الأولى من البرنامج تكللت بالنجاح، حيث أفرج عن 364 مشاركًا (من أصل 420 شخصًا) بعد أن تخلوا عن أفكارهم المتطرفة وأثبتوا عدم تورطهم في أي أنشطة إجرامية. ومع ذلك، فإن هذا البرنامج الذي كان يحمل شعار “الفكر لا يحارب إلا بالفكر”، لم يستمر إلا لثلاث سنوات فقط، حتى أواخر عام 2005.
اشتمل البرنامج على مرحلتين: المرحلة الأولى انطوت على حوار مباشر وبرنامج فرعي لإعادة التأهيل، وقد نجحت هذه المرحلة وتمخّض عنها نتائج إيجابية بعد أن تخلى عدد كبير من المشاركين عن تفسيراتهم المتطرفة للإسلام. أما المرحلة الثانية فهي عبارة عن برنامج فرعي لإعادة الإدماج والذي استعصى تنفيذه لعدة أسباب، منها أن جهاز الأمن الموالي للرئيس صالح كان يتعمد إساءة معاملة المفرج عنهم بعد المرحلة الأولى، ولعل السبب الأهم هو عدم رغبة الحكومة آنذاك في دعم البرنامج وهو ما تجلى في عدم وجود تغطية إعلامية من قبل الدولة وإحجام نظام صالح عن اعتماد استراتيجية البرنامج ورؤيته. وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى توقف البرنامج في نهاية عام 2005، رغم نجاحه المبدئي الواعد.
وحدات الأمن ومكافحة الإرهاب
في فترة حكم صالح، خصصت معظم أوجه الدعم والمساعدات القادمة من الشركاء الدوليين لا سيما الولايات المتحدة، لإنشاء وتعزيز بعض الأجهزة الأمنية ووحدات مكافحة الإرهاب التي كانت خاضعة لسيطرة مسؤولين مقربين من أحمد علي صالح، ابن الرئيس صالح، الذي كان حينئذ يتولى رئاسة الحرس الجمهوري والإشراف على القوات الخاصة، وكان عمار محمد صالح، ابن شقيق الرئيس، يشغل منصب النائب الأول لمكتب الأمن القومي الذي أنشئ حديثًا وكان يشرف على ملف تنظيم القاعدة في البلاد، فيما شغل يحيى محمد صالح، ابن آخر لشقيق الرئيس، منصب رئيس أركان قوات الأمن الخاصة (الذي كان يعرف سابقًا باسم قوات الأمن المركزي) وكان يشرف على وحدة مكافحة الإرهاب.
استهدف نظام صالح تعزيز الجهاز الأمني والعسكري تحت مظلة عمليات مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تقويض برامج مكافحة التطرف الأخرى المصممة لمعالجة المشاكل الأساسية. ولم يقتصر الأمر على تراخي صالح في القضاء على تنظيم القاعدة في اليمن، بل يبدو أنه استغلها لصالحه، فقد أذاعت قناة الجزيرة حلقة “مخبر القاعدة” وهي ثمرة تحقيق استقصائي أجرته في عام 2015 ويتضمن “معلومات تفصيلية جمعت من مقابلات أجريت مع أحد عناصر القاعدة السابقين”، وقد كشفت الحلقة عن وجود تعاملات مشكوك فيها بين جهاز الأمن القديم وشبكة القاعدة، وذكر المخبر أن مسؤولًا أمنيًا كبيرًا مقربًا من صالح كان ضالعًا في تزويد القاعدة بالمتفجرات قبل ثلاثة أشهر فقط من هجوم أيلول/سبتمبر 2008 على السفارة الأمريكية في صنعاء، وأشارت مصادر حكومية أخرى إلى أنه حتى أواخر عام 2015، كان صالح يرتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتعتقد المصادر أن صالح واصل تعاونه مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أثناء احتلالها للمكلا الذي استمر عامًا كاملًا في إطار حملته الرامية إلى تقويض الحكومة الشرعية.
نهج اليمن الجديد
بعد انتخاب الرئيس هادي في شباط/فبراير 2012، غيرت الحكومة توجهها من التركيز على الخيارات العسكرية والأمنية وحدها في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف إلى تبني نهج ذي شقين. أدركت الحكومة أن إحياء محاولات اليمن السابقة للقضاء على التطرف وإعادة الإدماج تعادل في أهميتها الخيارات العسكرية والأمنية، إن لم تكن أهم منها، وهذا لا يعني أن الحكومة تخلت عن عملياتها العسكرية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو قللت منها؛ بل على العكس من ذلك، فقد ازدادت وتيرة العمليات العسكرية منذ عام 2012.
وتمثل النهج الجديد للحكومة في وضع استراتيجية شاملة ذات تدابير تنفيذية متشعبة. وتحتم أن تتسم هذه التدابير بالاستدامة وأن تتناسب مع الموارد المتاحة. وتركز الاستراتيجية الشاملة على جانبين رئيسيين: الجانب العسكري والأمني، والجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد أدى هذا النهج إلى تشكيل واعتماد استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في اليمن.
استراتيجية شاملة
أصدر الرئيس هادي في 28 آب/أغسطس 2012 تعليماته إلى الحكومة بتنقيح واعتماد الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب التي صاغت أصلها اللجنة الأمنية العليا، مع مراعاة إسهامات جميع الوزارات بما في ذلك وزارات التعليم والإعلام والعدل. وفي 18 أيلول/سبتمبر 2012، اعتمدت الحكومة الاستراتيجية الجديدة وأنشأت اللجنة الوزارية العليا برئاسة وزير الخارجية للإشراف على التنفيذ عبر وضع تدابير تنفيذية ومتطلبات ميزانية لكل وزارة لضمان التنفيذ. وبحلول آب/أغسطس 2014، كان العمل قد انتهى على المستوى الفني؛ إلا أن الحكومة في ذلك الوقت كانت منهمكة بالأحداث السياسية التي أدت إلى انقلاب 21 أيلول/سبتمبر 2014. ومنذ ذلك الحين لم تخرج الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب إلى النور.
إعادة التأهيل وإعادة الإدماج
في أيار/مايو 2014، أصدر الرئيس هادي مرسومًا رئاسيًا يقضي بإنشاء لجنة لإعادة تفعيل وتطوير برنامج اليمن لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج، تحت رئاسة مكتب الأمن القومي وتضم أعضاء من الوزارات والهيئات الأخرى المعنية، بما في ذلك وزارات الخارجية والأوقاف والتعليم وحقوق الإنسان والشؤون القانونية.
وركّزت اللجنة على إنشاء مركز لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج لإشراك الإرهابيين المحتملين الذين ألقي القبض عليهم أو جرى توقيفهم، ولم يكن الهدف من ذلك إنشاء مرفق احتجاز، لكن إنشاء مركز لمكافحة التطرف وبرامج لمواجهة التطرف العنيف. وقد استعدت اللجنة بمساعدة ودعم شركاء دوليين منهم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والأمم المتحدة لإطلاق مشروع تجريبي في صنعاء، وقد استفادت اللجنة من الجهود اليمنية السابقة وتجارب المراكز الأخرى المماثلة (بما في ذلك زيارة إلى مركز محمد بن نايف للإرشاد والرعاية في المملكة العربية السعودية)، فعملت على وضع برامج فرعية شاملة مثل الإرشاد الفكري وتقييم الصحة البدنية والعقلية والروحية والتعليم والتدريب المهني وبرامج إعادة الإدماج وبرامج ما بعد الإفراج والرعاية الأسرية. ومع ذلك، فإن الوضع الأمني والسياسي في اليمن بعد انقلاب عام 2014 قد تسبب في توقف جهود مكافحة التطرف مرة أخرى توقفًا تامًا.
العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
في أيار/مايو 2011 أثناء ثورة الشباب التي شهدتها البلاد، تمكّن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (بحوالي 200 مسلح فقط) من الاستيلاء على مدينة زنجبار ومناطق أخرى في محافظة أبين. ورأى كثيرون أن هذا الهجوم ما هو إلا محاولة من قبل صالح، رئيس البلاد آنذاك، ليثبت للعالم أنه وحده من يمكنه تحقيق الاستقرار في اليمن.
في أيار/مايو 2012، أصدر الرئيس هادي، بعد ثلاثة أشهر فقط من انتخابه، أوامره بشن حملة عسكرية ضخمة هي الأولى في عهده ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أطلق عليها اسم عملية السيوف الذهبية تحت قيادة اللواء سالم علي قطن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية وقائد اللواء 31 مدرع. وفي غضون شهر تحررت زنجبار وجعار ومناطق أخرى في أبين، على الرغم من وجود بعض مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وللأسف تمكن أن أحد الانتحاريین من تنظيم القاعدة في شبه الجزیرة العربیة في 18 حزیران/یونیو 2012 من اغتيال اللواء قطن في عدن، والأمر المثير للإحباط أن أكبر قوتين لمكافحة الإرهاب في اليمن واللتين تلقتا الجزء الأكبر من الدعم الأمريكي لم يشاركا في الحملة، وبقيا في صنعاء، لا لشيء إلا لإحجام قادتهما وولائهم لصالح. وحينها استبدل الرئيس هادي هؤلاء القادة في إطار جهوده لإعادة هيكلة القوات المسلحة وذلك لضمان أن يكون ولاء هذه الصفوة وقوات مكافحة الإرهاب المدربة تدريبًا جيدًا للأمة لا للأفراد.
وفي نيسان/أبريل 2014، شنّت الحكومة حملة عسكرية ضخمة أخرى ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في محافظتي شبوة وأبين، وقد كللت تلك الحملة أيضًا بالنجاح؛ إلا أنها تضررت وتوقفت بسبب تصعيد الحوثيين في محافظة عمران الذي انتهى بحدوث الانقلاب في صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014.
تحرير المكلا
في نيسان/أبريل 2015، استولى مقاتلو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على المكلا أكبر مدن محافظة حضرموت المحافظة الأكبر في اليمن، وقد سيطر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على المدينة لمدة عام أثناء الاضطرابات التي أعقبت انقلاب الحوثيين، وخلال تلك الفترة تمكن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من الحصول على موارد مالية كبيرة عن طريق نهب البنوك وجمع الضرائب والرسوم من ميناء المدينة.
وفي نيسان/أبريل 2016، نجحت الحكومة بدعم من قوات التحالف العربي في تحرير المكلا ودحرت تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومنذ ذلك الحين، تواصل الحكومة القضاء على الجيوب المتبقية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في العديد من المحافظات (بما في ذلك عدن وشبوة وأبين) وتفكيك أي ملاذات آمنة أخرى لهم محتملة في اليمن.
تستند أفكار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، شأنه شأن التنظيم الأصلي، على اعتقاد خاطئ بأنه هو الممثل “الحقيقي” للإسلام. ويستخدم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خطابًا تكفيريًا (متهماً الآخرين بالردة) إلى جانب انتهاج نظريات المؤامرة ضد الغرب لتسويغ قتل المسلمين وغير المسلمين. وقبل انقلاب الحوثيين، لم يكن هذا الفكر المتطرف يجدي نفعًا في تجنيد أبناء اليمن بل كانت الحوافز المالية أكثر جذبًا.
وفي الماضي، شكل الأجانب نسبة كبيرة في أعضاء تنظيم القاعدة في شبه الجزیرة العربیة، حيث بلغت نسبتهم 70 بالمائة، على حد قول الرئیس ھادي في خطاب له في أیلول/أبریل 2014. لا يؤمن عدد كبير من أتباع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالفكر المتطرف لتنظيم القاعدة، بل اجتذبتهم أموال القاعدة لا دعوتها.
وبعد أن بدأ الحوثيون محاولتهم غير الشرعية لإحكام قبضتهم على اليمن، بدأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يقدم طرحًا مختلفًا بعض الشيء. وقد اندفع الحوثيون في غزوهم للمحافظات الأخرى واصمين بلا وعي كل من يعارضهم بالانتماء إما إلى داعش أو تنظيم القاعدة أو وسمهم بالتكفيريين، فاستغل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هذا الاتهام الأعمى في دعايته الجديدة لاستقطاب المجتمعات السنية التي لم تكن مهتمة أو متأثرة بالأفكار المتطرفة لتنظيم القاعدة. وبدلًا من الاقتصار على وصم خصومه بالمرتدين، بدأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يظهر نفسه وكأنه حامي حمى أهل السنة ضد الحوثيين الشيعة، ومع هذا لا يزال التنظيم في الحكومة وقوات التحالف العربي أهدافًا رئيسية له.
وقد استفاد الحوثيون أیضًا من إثارة النعرات الطائفیة في الیمن، حيث استغلوا الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش ضد المدنيين في صنعاء في الدعاية لتجنيد أتباع ما أسموه “الجهاد في سبيل الله”، واتخذوا ذلك ذريعة لغزو المحافظات الجنوبية في عام 2015، ومن المفارقات العجيبة أن هذا هو نفس الشعار الإسلامي المساء استعماله الذي ترفعه القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية لتسويغ قتل الآخرين.
آفاق المستقبل
إن الخيار العسكري لا يكفي لدحر الإرهاب والتطرف العنيف، إذا يجب أن يتسم الحل بالشمولية، فرغم أن العمليات العسكرية كانت وستظل جزءًا لا يتجزأ من الحرب ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من التنظيمات الإرهابية في اليمن، إلا أن النهج العسكري بمفرده إذا لم يصاحبه برامج استئصال التطرف وغيرها من البرامج الإنمائية الأخرى سيؤدي إلى تفاقم المشكلة.
إن الحكومة عازمة على إحياء وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب، وسيتيح لها ذلك تقديم المزيد من الخدمات العامة وإدخال المزيد من المشاريع الإنمائية وتعزيز علاقات جديدة من الثقة والتعاون مع المواطنين. وتسيطر الحكومة في الوقت الحالي على أكثر من 80 في المائة من اليمن، وعلى الرغم من مواجهتها لأزمة إنسانية غير مسبوقة، إلا أنها تواصل إعادة بناء المناطق المحررة وتوفير الخدمات العامة الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، ستواصل اليمن تنفيذ عمليات عسكرية ضد الملاذات الآمنة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة في جميع المجالات، بما في ذلك عمليات مكافحة الإرهاب.
وذكرت التقارير القُطرية التي أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب في عام 2012 أن الحكومة اليمنية في ظل حكم الرئيس هادي ”ظلت شريكًا قويًا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب”، وتؤكد اليمن رغبتها واستعدادها للاستمرار على هذا النسق. ومع ذلك، لا بد من التأكيد على ضرورة تعزيز وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية وتنفيذ برامج مكافحة التطرف والتنمية الأخرى عبر دعم ومساعدة من دول التحالف العربي والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. والأهم من ذلك، ضرورة إعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على الاستقرار والأمن والقدرة على إعلاء سيادة القانون.
أهداف الإستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب في اليمن
1 القضاء على الإرهاب وتجفيف منابع التطرف واستئصال جذوره ومصادر تمويله في جميع المحافظات اليمنية.
2 إعادة تفعيل دور اللجان الأمنية في جميع المحافظات وإنشاء وحدات للطوارئ.
3 مساعدة اللجنة العسكرية، التي نشأت بموجب مبادرة مجلس التعاون الخليجي، للاضطلاع بمسؤولياتها لا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على الاستقرار والأمن.
4 التوعية بالآثار الضارة للإرهاب والتطرف.
5 تشجيع المواطنين على مساعدة الأجهزة الأمنية والعسكرية والتعاون معها في مكافحة الإرهاب والتطرف.
6 حماية المجتمع من انتشار التطرف.
7 القضاء على التنظيمات الإرهابية وأعضائها وقادتها.
Comments are closed.